أنت هنا

قراءة كتاب نساء على تقاطع طرق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء على تقاطع طرق

نساء على تقاطع طرق

كتاب " نساء على تقاطع طرق " ، تأليف إصلاح جاد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

لم تولد الحركة النسائية تحت الانتداب البريطاني نتيجة رغبة نسوية في التعبير عن حقوق النساء بحد ذاتها، ولكن بالأحرى نتيجة تجربة النساء داخل الحركة الوطنية. كان كلامهن حاذقاً وغير مباشر، حيث لم تكن هنالك سلطة يمكن توجيه المطالب إليها خاصة والشعب نفسه تحت التهديد. وكان سبب توحد الطبقات الوسطى مع المقاتلين الفلاحين هو الشعور المشترك بالخطر. وقد مرت الحركة النسائية الفلسطينية بهذا الدرس المكلف خلال كل مراحلها المختلفة. بكلام آخر، كانت هنالك مراحل متعاقبة من المصالحة في أوقات الأزمات بين الشرائح الوسطى المهنية والجماهير الشعبية، وكان هنالك تباعد وانفصال لبرامج العمل في الفترات التي بدا فيها احتمال وجود عملية تماسك في الدولة. إن بالإمكان تتبعَ هذا النمط خلال مختلف المراحل التي مرت بها الحركة النسائية والنسوية الفلسطينية بعد نكبة العام 1948.

من «الانتماء الفلسطيني» إلى «العصبية الفلسطينية»

يتفق معظم المؤرخين الفلسطينيين على أن ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية في الستينيات أشر على ظهور الشكل المعاصر للوطنية الفلسطينية (بديري، 1995 ،1998؛ صايغ، 1987؛ (خالدي Khalidi ،1997، من بين آخرين). على سبيل المثال، يقول صايغ، «إن تجربة النكبة أدت إلى انتماء فلسطيني واضح، ولكن ليس بالضرورة إلى عصبية فلسطينية» (صايغ، 1987: 666). إن ظهور منظمة التحرير الفلسطينية، والتحول التدريجي في معتقداتها، وبناءها للمؤسسات هو ما سينمي هذه العصبية الفلسطينية (صايغ، 1979)؛ (كيمرلنغ ومغدال، 1993: 220، Kimmerling and Migdal). لقد برزت إلى الوجود صورة جديدة للفلسطينيين من ثنايا صدمة الخسارة ونتيجة الخلق الفعال للهوية من قبل «فتح». وأصبح الكفاح الآن مكوناً جوهرياً أساسياً للهوية الوطنية الفلسطينية (شولتز، 1999: 37-38،(Schulz . ولم تكن «الثورة» و«الكفاح المسلح» إستراتيجيتين سياسيتين فحسب، بل أصبحتا مبدأي تعريف حاسم لهوية الانتماء للعصبية الفلسطينية وشكلا الإستراتيجيتين الرئيستين للخطاب الفلسطيني (صايغ، 1987: 26) إلى جانب تشكيل ثقافة عسكرية ثورية.

إذا كان الكفاح هو جوهر الهوية الفلسطينية الجديدة، فإنه كان متشابكاً مع فكرة أن فلسطين هي «أرض الحنين والنفي» (بِتيت، 1998). وكان هذا أمراً حاسماً في تكوين الصلات العاطفية بالأرض ورغبة العودة لدى فلسطينيي الشتات. وبالنسبة إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كان «الصمود» الفعلي في الأرض هو جوهر الهوية الفلسطينية.

مهما كان الشكل الذي اتخذته الوطنية الفلسطينية، فقد بقي التأكيد على التضحية «كعطاء» ثابتاً. وكان هذا ضد مجرى المطالبة بحقوق المرأة، إذ نُظِر إليه كمطالبة في الوقت الذي كانت فيه معاناة المنفيين في الشتات، ومن هم تحت الاحتلال في الأراضي المحتلة، تعيث الدمار في كل أوجه الحياة الفلسطينية، وبخاصة حياة الفقراء والنازحين. كذلك فإن ما جعل مطالبة النساء بحقوقهن أمراً صعباً في فترة منظمة التحرير الفلسطينية، أو عندما أنشئت السلطة الفلسطينية العام 1993، هو الافتقار إلى موقف واضح حول علاقات النوع الاجتماعي «الجندر»، وما يتعلق بذلك من أيديولوجيات في البناء المعاصر للوطنية الفلسطينية.

النوع الاجتماعي «الجندر» والوطنية في فترة «الثورة» (1982-1974)

لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها معنية كثيراً بقضايا النوع الاجتماعي «الجندر»، أو ما يتصل بها من علاقات (بِتيت، 1991: 205). وكان هذا الافتقار إلى الرؤيا واضحاً في الكثير من النصوص التي أصدرتها منظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، مثلاً الميثاق «التقدمي» الذي تم تعديله بعد سيطرة عناصر المقاومة في منظمة التحرير الفلسطينية العام 1969. استنتجت بتيت، بعد تفحصها للاتجاهين الأيديولوجيين والسياسيين الرئيسين في منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وهما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الماركسية اللينينية و«فتح» ذات التوجه الوطني، أنهما «تظهران فوارق نظرية حول مسألة المرأة، يبدو معها أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد طورت تحليلاً أكثر تماسكاً يدرك البعد الأخلاقي للمسألة، والحاجة إلى إثارة الوعي. غير أن المنظمتين تصران على الاندماج التام للحركة النسائية في النضال الوطني. ولا تعطي أيٌّ منهما مساحة للنساء لتحديد أولوياتهن الخاصة ولتنظيمها والنضال من أجلها في منظمات مستقلة» (المصدر نفسه: 164). وتتضمن استنتاجات بِتيت أن المنظمات النسائية المستقلة ستكون أكثر «نسوية» وتحرراً من سيطرة الرجال. وإنني أتساءل حول هذا الاستنتاج حيث أنني أقول خلال هذه الأطروحة بكاملها إن المنظماتِ النسائية المستقلة ليست ضماناتٍ بشكل آلي لبرنامج عمل يتعلق بموضوع النوع الاجتماعي «الجندر»، يكون جوهره الاهتمامات والاحتياجات «الحقيقية» للنساء. وفي حين أنه لا يمكن تحدي حقيقة أن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تملك رؤية أو أيديولوجية اجتماعية مفصلة جيداً حول التغيير الاجتماعي، فإن الأحزاب الماركسية تبنت رؤية أكثر دقة حول موضوع النوع الاجتماعي «الجندر»، وكانت أكثر انفتاحاً للفاعلية النسائية وتجاوباً مع احتياجاتها، كما سيتم تفصيله لاحقاً.

إن عدم توافر التزام مفصل جيداً يضع عبئاً كبيراً على حركة النساء كي تقوم هي بتفصيل وصوغ اهتمامات النساء فيما يتعلق بقضايا النوع الاجتماعي «الجندر»، نسبة إلى مراكزهن الاجتماعية المختلفة. لقد اعتبرت سياسة «فتح» باستمرار أن أشكال الكفاح خلاف التحرير الوطني ذات طبيعة ثانوية، منكرة بهذا العلاقة الوثيقة بين النظام المدني والمجتمع (بتيت، 1991: 161). وقد رأى منير شفيق، أحد قياديي «فتح»، أن «النساء لم يفصلن أنفسهن عن قضية شعبهن خلال مختلف مراحل النضال الوطني» (شفيق (Shafiq) ذكر في الغنيمي، 1981: 201). ويستخدم شفيق تحليلاً ماركسياً طبقياً دقيقاً لينزع الشرعية عن الطليعة (النسوية) (المصدر نفسه: 215) التي تسعى إلى تحرير النساء على حساب الجماهير عبر منح الأولوية لمساواة المرأة، وهو ما يسميه موقفاً نخبوياً، غربي التكيف، صادراً عن الطبقة الوسطى من النساء اللواتي يؤخرن بهذه الأفعال تعبئة النساء من أجل الالتحاق بالجماهير في الثورة. وفي حين يرى شفيق أن دور المرأة أساسي في «حرب الشعب»، ويحتج على من يسعون إلى إعفاء النساء من عناء المشاركة في النضال (المصدر نفسه: 206)، فإنه على الرغم من ذلك يطرح أن النساء يجب أن لا يتحدّين «التقاليد» التي تنعكس في الأدوار المهيمنة لعلاقات النوع الاجتماعي «الجندر»، وبخاصة فيما يتعلق بعنايتهن بعائلاتهن وأولادهن (المصدر نفسه: 224). وقد أكد صخر حبش، وهو قيادي آخر في «فتح»، أن هنالك مصدرَ اضطهاد مشترك بين الرجال والنساء، ولكن قيم السلفية(12) (الغنيمي، 1981: 126) هي المصدر الرئيس لاضطهاد النساء، منكراً بهذا تراتبية علاقات النوع الاجتماعي «الجندر» في الحركة الوطنية.

الصفحات