أنت هنا

قراءة كتاب الأدب والوظيفة في الوطن العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأدب والوظيفة في الوطن العربي

الأدب والوظيفة في الوطن العربي

الأدب – بشعره ونثره – سيف ذو حدّين. حدٌ يقطع ليحمي ويبني وينمّي... وحدٌ يقطع ليتسلط ويكتم وينمّي كذلك. إنما نماء الأول للنـــّحن المتوحّدة، ونماء الثاني للأنا المتفرّدة. وبكلا الحدّين تتحكم الضرورة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

الـمــقــدمــة

لقد غدت الدّولة في حدود الـمنظور الحديث والـمعاصر، حقيقة راهنة، أنــّها (قطب الحياة الاجتماعيّة، فهي ماثلة في كلّ مجال من مجالاتها، وأصبح الـمواطن يواجه مختلف أجهزتها وإداراتها أكثر بكثير مما كان عليه سلفه القريب أو البعيد، فهو يشتكي أحياناً من تدّخلها ولا يلبث أن يطالبها بالتدّخل لصالحه. ولئن كان مفهوم الـمواطن مرتبطاً بمفهومي الدّولة والحرّية فقد تضاءل استعمال الـمفهوم الثاني وتناقض محتواه العاطفي وأصبح هذا يعلق على الحرّيات الجماعيّة أهميّة أكبر مما يعلقه على الحريّات الفردية)(1).
ولقد وقف الفكر العربي تجاه الوافد الغربي، في هذه الفترة، بين الرّفض والنفور من ناحية، والاستيعاب والتمثـــّل من ناحية أخرى، بين القيد والتحرّر، بين الانغلاق القائم على الحذر والخوف والترقّب والخشية والتمسّك بالقديم والاحتماء بالتقليد، وبين الانفتاح القائم على الثـــّقة بالنفس والقدرة على التجديد.
والأدب - في حقيقته - حاجة ماسّة، وفاعليّة إنسانية راقية، خلّص الكائنات البشرية من حدودها، ولا يزال. فهو في درجته السّامية أكثر من متعة أو مسرّة، وأكثر من اهتمام ذهني. (وكلّ أدب هادف إلى شيء ما بصورة خفيّة أو ظاهرة، لأنّ الاستهداف هو شرط التواصل مع الآخرين وبانعدامه تنعدم الصّلة الكامنة في الـمعرفة والـمسؤوليّة. وبذلك يلعب الأدب في حياتنا دوره بطريقتين: فتارة يخلق أشكالاً من الإحساس والتفكير يفرضها علينا، وتارة يحرّرنا من بعض الأهواء وبعض القوى التي تعمل في لا وعينا)(2).
والوظيفة منفعة، غايتها خدمة الآخر، سواء أكانت في القطاع العام، أم في القطاع الخاص. والوظيفة من كلّ شيء، في اللّغة: ما يقدّر له في كلّ يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب، وجمعها الوظائف والوُظُف. ووظَف الشيء على نفسه ووّظفه توظيفاً: ألزمها إيّاه(3)... بشكل مبسّط، تدور معاني الـمادّة حول الإلزام والأجر الـمحدّد.
وتميل الوظيفة / في القطاعين؛ العام والخاص / إلى الاستقرار والثـــّبات، والخضوع للقوانين والأنظمة الـمرعية الإجراء... في حين أنّ الأدب أقدر على التحرّك نحو الـمستقبل والتحرّر من الضرورات التي تشدّ مراسيه. وأقدر على التحرّر من سجن الواقع، والنـــّظر إليه من موقف يتجاوزه، ويعلوه...
(والأديب هو الإنسان الذي يقع عليه عبء الوظيفة أو الرّسالة التي يمثـــّلها، ويقف قبالته الذين لا يملكون الرّغبة أو الـمكنة لـمزاولة هذه الفاعليّة)(4).
وإن ينتج الأديب في ظروف عصره، مستخدماً التقنيّات الفنيّة والأدوات الـمتوفرة في ذلك العصر ، إلاّ أنــّه في الوقت نفسه لا يبقى محصوراً على نحو ضيق في هذه الأطر، بل يتخطّاها، أو يحاول تخطيها. في حين أنّ الـموظّف يلاقي الحدود والحواجز التي تحدّ من نشاطه وفاعليّته.
وبين مفهوم الأدب ومفهوم الوظيفة، توجد - بالبداهة - قفزة نوعيّة. ولا تعني هذه القفزة - بالضرورة - قطيعة لا عقلانيّة بين حقيقتين. وإنمّا عندما يزداد الخلاف بينهما، يكون ذلك دلالة على ازدياد التـّناقضات داخل الـمجتمع. ودور الأديب - في مثل هذه الحال - دور نقدي إلى حدٍّ كبير، والضرورة / لا سيّما السلطة الـمحافظة بكل مؤسّساتها الجامدة / تقتضي مصلحتها تسخير كلّ الأنظمة والقوانين لخدمة القضيّة التي تخدمها هي نفسها، فترفع راية ما يسمّى (قانون التقليد والرّفض)، وتجدّ في تبرير ممارساتها التي تدعم سلطانها ونفوذها وسيطرتها.
إذن، الأدب والوظيفة؛ قد يكوّنان ثنائيّة وفاقيّة تشاركيّة نفعيّة تودي بصاحبها إلى مراتب العلى والـمناصب السّامية، إن أحسن استخدام أدواته في مخاطبة الـمتلّقي، خدمة للنـــّظم. أو ثنائيّة تناقضيّة نفعيّة ترمي بصاحبها في الـمهالك حيث الأنظمة السياسيّة والاجتماعيّة الجامدة، أو ترقيه درجات السمّو إن تجاوز الحدود والحواجز...
ولعلّ من مشاكل الأديب الـموّظف - في الوطن العربي - مشكلة التـّوفيق بين موقفين، فثمّة قوتان تتجاذبانه، له في كل منهما مصير.
فما مصير بعض الأدباء العرب الـموّظفين الذين سبحوا بعكس تيّار السلطة، أو جدّوا في إعاقة جريانه، خلال النصف الأوّل من القرن العشرين؟

الصفحات