قراءة كتاب جوهر الإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جوهر الإنسان

جوهر الإنسان

يتناوَل هذا الكتاب أفكاراً كانت قد قُدِّمَت في بعض كتبي الأولى، ومحاولات لتعميقها وتطويرها. ففي "الهروب من الحريّة" ناقَشتُ مُشكلة الحرية بالإضافة إلى السادية والمازوخية والتدميرية.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مُقَدِّمـــــــة

يتناوَل هذا الكتاب أفكاراً كانت قد قُدِّمَت في بعض كتبي الأولى، ومحاولات لتعميقها وتطويرها. ففي "الهروب من الحريّة" ناقَشتُ مُشكلة الحرية بالإضافة إلى السادية والمازوخية والتدميرية. وقد قادَتني التجربة السريرية والتأمّل النَظري خلال ذلك إلى ما أعتقد أنّهُ فهم أعمق للحُرية ولأشكال مُختَلِفة من العدوانية والتدميرية. وقد أصبحتُ قادراً على التمييز بين أشكال العدوانية المُختلفة التي تصبُّ في مصلحة الحياة ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ وذاك الشكل الخبيث من التدميرية: "النكروفيليا" الذي هو حُبٌّ حقيقي للموت، مُقابل "البيوفيليا" التي هي حُبّ ُ الحياة. وفي كتابي "الإنسان من أجل ذاته" ناقَشتُ مشكلة المبادئ الأخلاقيّة المرتكزة على معرفتنا بطبيعة الإنسان، وليس على وَحي، أو أعراف وقوانين من صنع الإنسان. وفي هذا الكتاب أستمرّ بمتابعتي للمشكلة وأناقش طبيعة الشَر، والاختيار بينه وبين الخير. وأخيراً، يكمل هذا الكتاب بشكلٍ ما كتابي " فَن الحُب". إلا أنّه في حين كان الموضوع الرئيسي هناك هو قدرة الإنسان على الحُب، فإنّ الموضوع الرئيسي هنا هو قدرته على التدمير، ونرجسيّته وتثبيته السِّفاحي. ومع أن مناقشة "اللاحُب" تملأ معظم الصفحات، فقد تمَّ أيضاً تناوُل مسألة الحُب من منظورٍ جديدٍ وأوسع هو: حب الحياة. حيث أُحاول أن أبين أن حب الحياة والاستقلال وتَخَطي النرجسيّة كل ذلك يشكل "متلازمة نمو" في مقابل "متلازمة الانحلال" التي يُشكّلها حب الموت، والتعايُش السِّفاحي، والنرجسيّة الخبيثة.
وقد وَصَل الأمر بي إلى الاتجاه لدراسة متلازمة الانحلال هذه، ليس على أساس الخِبرة السريرية فقط، بل كذلك من خلال دراستي للتطوّر السياسي والاجتماعي الحاصِل في السنوات الماضية. وشيئاً فشيئاً غدا السؤال حول سبب ضعف المحاولات الساعية لتجنب الحرب النووية مقارَنةً بجاذبية خطرها واحتمال وقوعها،أكثر إلحاحاً ـ وذلك على الرغم من الإرادة الطيّبة ومعرفة الحقائق المُرعِبة المتعلّقة بنتائجها ـ مع الأخذ بالاعتبار استمرار سباق التسلّح النووي والحرب الباردة. وقد قادني هذا الاعتبار إلى دراسة ظاهرة اللامبالاة بالحياة وذلك في حياةٍ صناعية تتزايد ميكانيكيّتها يوماً إثر يوم، ويتحوّل الإنسان فيها إلى شيء، ويمتلئ نتيجةً لذلك بالقلق واللامبالاة بالحياة ـ هذا إن لم يكُن بكرهها أيضاً ـ وإضافةً لذلك فإنَّ مزاج العنف السائد في هذه الأيام ـ والذي يتبدّى في جنوح الأحداث، فضلاً عن اغتيال الرئيس جون كِنيدي ـ يتطلّب الشرح والفهم، وذلك كخطوةٍ أولى باتّجاه التغيير. والسؤال حول ما إذا كُنا نُقاد باتجاه بربريةٍ جديدة ـ حتى وإن لم تقع حرب نووية ـ أو أنَّ نهضةً جديدة لتُراثنا الإنساني ما تزال ممكنة، يغدو مُلِحّاً.
بالإضافة إلى المشكلات التي سبق ذكرها، يهدف هذا الكتاب لتوضيح علاقة مفاهيمي التحليلية النفسية بنظريات "فرويد". إذ أنني غير راضٍ أبداً عن تصنيفي ضمن "مدرسةٍ" جديدة ما من التحليل النفسي سواءً سُمّيت "المدرسة الثقافية" أم "الفرويديةً الجديدة".
وأنا أعتقد أنّ العديد من هذه المدارس الجديدة قد ضيّعت ـ أثناء تطويرها لتبصُّرات ٍ قيّمة حقاً ـ معظم اكتشافات فرويد الهامة. وأنا بالتأكيد لست "فرويدياً مستقيماً". ففي الواقع، إنَّ أية نظرية لا تتغيّر خلال ستين سنة لن تكون ـ بحكم هذا الواقع ذاته ـ هي نظرية المعلّم الأصلية نفسها، بل ستكون مجرّد تكرار متحجّر، وبحكم كونها تكراراً ستكون في الواقع مجرّد تشويه. لقد تم تصوّر اكتشافات فرويد الأساسية ضمن إطار ٍ فلسفيٍّ مرجعي مُعَيّن، ألا وهو تيار المادية الميكانيكية الذي كان سائداً بين معظم العلماء الطبيعيين في بداية هذا القرن (القرن العشرين. المترجِم). وأنا أعتقد أنّ مزيداً من تطوير فكر فرويد سيتطلّب إطاراً فلسفياً مرجعيّاً آخر، هو إطار "الإنسانيّة الجدلية (الديالكتيكية)". وأنا أحاول في هذا الكتاب أن أُبيّن أنّ مقدمات فرويد الفلسفية قد أعاقت وقيّدت اكتشافاته الكُبرى ـ مثل: عقدة أوديب، النرجسيّة وغريزة الموت ـ وأنه بتحرير تلك الاكتشافات من مقدماته الفلسفية، وترجمتها ضمن إطارٍ مرجعيّ جديد، ستستعيد اكتشافاته طاقتها وإمكاناتها وتصبح أكثر ثراء1. كما أنني كما أنني أعتقد أنّ ذلك الإطار هو إطار الإنسانية التي ستتمكّن بمزجها المتناقض بين نقد لا يكل، وواقعية لا تساوِم، وإيمان عقلاني، من التطوير المثمر لعملٍ أرسى فرويد أسسه وأركانه.
ملاحظة أخيرة: في حين أن كل الأفكار التي عبرت عنها في هذا الكتاب هي نتيجة عملي السريري كمحلّل نفسيّ (وإلى حدٍّ ما كطالبٍ لسيرورات اجتماعية)، إلا أنني قد حذفت معظم التوثيق السريري.
وهو توثيق أنوي تقديمه في عملٍ أكبر يتناوَل نظرية وعلاج التحليل النفسي الإنساني.
وأخيراً، أود التعبير عن امتناني اللامحدود لبول إدواردس بسبب اقتراحاته الهامّة جداً فيما يتعلّق بفصل: الحرية، الحتمية والاختيارية.
إريش فروم

الصفحات