أنت هنا

قراءة كتاب عدو المسيح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عدو المسيح

عدو المسيح

هذا الكتاب ينتمي إلى القليلين... الذين لعلّ أحداً منهم لم يولد إلى الحياة حتى الآن. ولعلّهم أن يكونوا أولئك الذين سيفهمون زرادشتي.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدّمة من المترجِم

أتعلّم من الكثيرين ولكن لا أثق بأحد.
إنّي وإن كنت اليوم ما أزال أعدّ نيتشه أجرأ ذهنيّة وجدت على الأرض، وأقوى عقليّة قيّض لنا أن نسمع صوتها، فإنّ ذلك ليس عن اختيارٍ محض فلسفي أو ذاتيّ. إنّه ناتج تقديري لداروين وعلماء الطبيعة والفلك قبله وبعده. ولكن أليس انحيازاً، هنا أو هناك، لرجل؟ الأمر مختلف جدّاً. حين تؤمن بمؤسس مذهب أو فلسفة فهذا أمرٌ يتعلق بمنحى، بتوجّه، بمقولة ذلك الرجل ذاته، أمّا مع العلم، فإن الرجل ليس غير مكتشف، لا صاحب نظرية أو مذهب عقيدي. داروين ليس غير اسم لتعيين حالة طبيعيّة هو اكتشفها. لسنا نؤمن به بل بالحقائق الطبيعيّة التي اكتشفها [ومن المؤسف أن تُسمّى إلى اليوم نظريّة داروين!].
الوجهة الفلسفية للمرء ـ روحانيّة أو عقلانيّة ـ تحدّد الفيلسوف أو الفلاسفة الذين يعدّهم الأفضل. ليس صدفة أنّ بارتلمي سانتهلر، إذ يقدّر أفلاطون ككبير فلاسفة اليونان، أن يقدّر "كانط" حديثاً بوصفه أفلاطون الفلاسفة المحدثين! إنّه التوجّه الروحيّ مهما اتّخذ من شكل.
أقول إذاً، إنني وإن كنت أعدّ نيتشه أقوى تعبير عن الفكر الحرّ ـ اللاديني والمناهض للميتافيزيقيا والمحبّ للأرض ـ فإنني منذ سنين قليلة قد ألقيت ثقله عن ظهري كعقلية صائبة بالكليّة وبغير أخطاء.
صباح يوم من أيّام مايو، السنة الأخيرة من الألفيّة السالفة بحسب التقويم الزائف ـ بتعبير نيتشه الرائع نفسه ـ وأنا أنظر من نافذتي إلى الجبال المحيطة بكاراكس وكلّها خضراء وأعاليها محجوب بالضباب، متأملاً في الطبيعة والمدنية وتطوّر الإنسان، تبدّى لي أنّ إنسان نيتشه أقرب إلى الإنسان الحربي منه إلى الإنسان العقلاني. سوف تلاحظ ذلك بقوّة في الفصول الأولى من هذا الكتاب.
فكيف ـ كنت أسأل نفسي ـ كيف أمكن للإنسان المتفوّق أن يكون قد ظهر ـ وإن في لمحات في الماضي ـ ونحن نعرف أننا إلى اليوم لم نزل نشكو من وهن معرفي، ليس بمكتمل التكوّن؟ الإنسان الراقي ليس طفرة أو ضربة حظّ، بل مرتهن بدرجة تطوّر المجتمع.
نفهم في العمق هذا الإنسان ومقصد نيتشه منه: قويّ جريءٌ ليس بهياب، محبّ للحياة، كأنّه من أتباع ديونيس،وغير مسيحيّ بالمرّة ـ وهذا الضَعف المسيحي هو الأمر المهمّ الذي دفع بنيتشه إلى هذا التطرّف مع إنسانه المتفوّق ـ أجل غير مسيحي بالمرّة، ليس بمشفق ولا شاندالا، وليس في صفّ الواهنين والعجزة ونِعاج المسيحية.
يكره نيتشه مدنيتنا الحديثة الرعاعية،ويحقّ له، وكثيراً ما يذمّ العلماء (انظر ما وراء الخير والشر، وزرادشت) بينما العلوم والاكتشافات الحديثة هي بذاتها من هيّأ له في الأساس، وعبر علمانية أوروبا، أن يعلن ((أن الله قد مات)). لقد كان هو المعبّر الاسميّ لما قرّره علم الفلك قبله ـ مثلاً لابلاس مع بونابرت ـ وقرّره وولاس وداروين.
يتطوّر الإنسان ليكون قويّاً بطريقة أروع (فإنّ ما صدق لقرون خالية بما يقرّره ابن خلدون قد سقط الآن، والمدنية تتيح القوّة بطريقة تختلف عمّا كانت تصيب به القدماء من وهن جسدي، فالمعركة اليوم معركة ذكاء لا جسد) يتطوّر ليكون لا مسيحياً، بعلومه ورأسماليته وتثمينه للأرض، دون أن يكون نسخة عن وثنيين شرفاء. فالتاريخ لا يعيد نفسه.
الإنسان المتفوّق رّبما يكون غداً، كما تدلّ منظورات علمية مستقبلية كثيرة، لا بيولوجيّاً جينياً فقط، بل سيليكونياً، وبديل سيليكون آتٍ.. سوف لن تكرَّس أبدع الصفات المنتخَبة في أفراد معدَّلين، ومن جهة الجسد فحسب، بل وكذلك الصفاتُ العقليّة مدعّمة بقدرة كمبيوترية‍‍! الإنسان القادم سيحوي صفات الغابة والمدنية، صفات الجسد الرائع والرقي الدماغيّ.. في الجنس والجمال والذهن. والعقل في ذلك كلّه هو الأساس، لكن مع تخوّف دائم من محاولات حشوه بخرافاتنا الحالية وبالأخصّ الدينيّة.
لكنّ النقطة المهمّة أن نيتشه يفتقد حوله النبالة، ويشتكي من الرعاعيّة وعدم وجود النظام التراتبي الذي يعدّه طبيعيّاً. ولأجل ذلك يمتدح قانون مانو وتراتبيّة الهند إلى حدٍّ يجعله يقرّر أنّ الطبقة ليست اختياراً بل طبيعة، وهو في هذا يغالي أكثر من أفلاطون حين يتحدّث عن عروق الذهب والنحاس في جمهوريته.
مع ذلك لا يمكن لنظام النبالة والتفوّق والتفريق أن يندثر، فالنوع الأرقى من الديمقراطيّة يتيح الفرص للتباين والتفوّق. وعلى نطاق كبير فإننا نلاحظ اليوم طبقات أمميّة: عالم أوّل وعالم ثالث، وربّما دول شاندالا ومنبوذين. إنّ سقوط الشيوعية له دلالته هنا.

الصفحات