أنت هنا

قراءة كتاب زوال كولونيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زوال كولونيل

زوال كولونيل

ربما كانت العشرين من بقايا السجائر التي يطفئها منذ بداية الليل إلى الآن. أحس بالاختناق وأن لسانه وفمه من كثرة السجائر التي دخنها يفقدان حس الذوق فيهما. أنظر كم من الماء على الوجه الزجاجي للنافذة. وأي صمت!

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 9

الشَّخصُ الّذي يجلسُ خلفَ الطَّاولةِ الكبيرةِ المُغلَّفَةِ بالماهوت، نهضَ فجأةً من مكانِه، بطنُهُ باتِّجاهِ الطَّاوِلة، التَفَتَ وقالَ بِلحْنٍ مُختَلِفٍ عليهِ علامةُ المرارة! لماذا لا يتحرَّكون؟ كادَ اللّيلُ أن ينقضي! والشُّبّانُ تقدَّموا حتّى صاروا قُرْبَ مرفقي الكولونيل. أمسَكَ واحِدٌ منهُم بِعَضُدِهِ النَّحيل، ومن حيثُ كان واقِفاً دار نحوه، وآخرُ أدخَلَ وصلَ استلامِ المال في جيبِ معطَفِ الكولونيل وقال:
ـ كلُّ شيءٍ جاهز، جناب الكولونيل!
ـ أعرِفُ فِداكَ. أعرِف.
ـ مأموريّةٌ مهمّةٌ وقيِّمةٌ كولونيل، ظُفار! وسامُ تقديرٍ لكُم من بين الضُّبّاطِ المحبّينَ للوطن أمثالكُم. أباركُ لكُم.
ـ فداكم...
ـ بالتَّوفيق، كولونيل
ـ الموضوعُ هو أنَّني لا أزالُ في حلِّ مشكِلَةٍ أُسَريَّة، فداكم!
ـ لا تشغلوا فكرَكم كولونيل. لا يمكنُ لكم أن تترُكوا...
ـ لكنْ سيادةَ العميد... هم، زوجتي...
ـ يجبُ أن تأخذوا هذهِ الملاحَظَاتِ بالنَّظَر أيُّها الضَّابِط، يجبُ أن يكونَ اِسمُ أُسرتِكُم عندهُم. عليكُم أن تعلموا ضمناً أنَّ زوجَتَكُم يجبُ أن تكونَ من أُسرةٍ عريقةٍ ومعروفة.
ـ لكنْ أنا مُجرَّدُ جنديٍّ واحدٍ... فداكم!
ـ نحنُ جميعاً جُنودٌ أيُّها الضَّابِطُ. أليسَ التَّوضيحُ كافياً؟!
كانوا يُلقونَ ذلك على الكولونيل في اللّيل. وفي تِلكَ اللّحظةِ أحسَّ بِشيءٍ مُبهَمٍ ممّا يحصلُ عادةً ليلَ الجِناية، إذْ عادةً ما يُنتَخَبُ الظَّلامُ لارتكابِ الجناية. وفكَّرَ بعدَ إدراكِهِ لِهذا الإحساسِ أنَّ مُقدّماتِ الجنايةِ تكونُ في اللّيل، والدِّماءُ تُراقُ في اللّيل وتُغطّى بقايا الجريمةِ بالتُّرابِ، ويُسعى لينتهيَ الفِعلُ في اللّيل. فكأنَّ الجريمَةَ تستوحِشُ من النَّهارِ والضِّياءِ، وكأنَّ الجاني يُريدُ معَ إشراقِ الضِّياءِ أن تصيرَ يدُهُ المُلوَّثَةُ مغسولةً، وبِحُضورِهِ بينَ أكتافِ النَّاسِ يُريدُ أن يستطيعَ أن ينسى وُجدانَهُ بلا إرادةٍ منهُ، أو أن يفقدَهُ مؤقَّتاً. هوَ نفسُهُ،... الكولونيل في مثلِ هذِهِ اللَّحظَةِ من اللّيلِ صَمَّمَ على الجِنايَة، وبِما أنَّ حُكمَ المأموريّةِ هذا لم يتِمَّ إمضَاؤُهُ بشكلٍ قطعيٍّ بعد، فقد قرَّرَ وهو يأخُذُهُ من بينِ الأصابِعِ البيضاءَ والمتورِّمَةِ للعميدِ أن يقتُلَ زوجتَه. فقد أحسَّ أنّهُ لا يستطيعُ أن يطير إلى ظُفار ليُلقيَ القبْضَ على مجموعةٍ من النَّاس الجائِعِين والمتمرِّدين بحُجَّة خطر الاضطرابات، ولا يستطيع أن يُخفيَ أكثرَ مما اختفى تحت قبَّعةِ رأسِه.
كانت قبَّعَةَ ديُّوثٍ يا سيِّد! دُرْتُ للخَلْفِ وأنا أحملُ ورَقَةَ الحُكمِ هذه تحت إبطيْ، وأعطيتُ الأمرَ للسَّائقِ بأنْ يخرجَ من المدينةِ ويأخذَني بشكلٍ مُباشَرٍ إلى البيت، ربَّما كنت قد فقدتُ عقلي, أو ربَّما كنتُ قد وجدْتُ عقلي! أصلاً ما هو العقل؟.
تفضلوا كولونيل!
ـ نعم.... نعم...

الصفحات