كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الخامس عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الخامس عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحْلِيلَ بِالْعَبْدِ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمُطَلِّقِ بَلْ مِنْ صَدِيقٍ لَهُ يُزَوِّجُهَا بِعَبْدِهِ ، وَيُوَاطِئُهَا عَلَى أَنْ يُمَلِّكَهَا إيَّاهُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ الزَّوْجُ التَّحْلِيلَ هُنَاكَ وَعَلِمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْمُطَلِّقِ ، وَإِنْ عَلِمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ هُنَاكَ ، وَكَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّحْلِيلِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ هُنَا ، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ } ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الزَّوْجَ فَالسَّيِّدُ هُنَا بِمَنْزِلَتِهِ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُهُ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْهُ بِلَفْظِ الْمُحَلِّلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلٌ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ ، بِقَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى عَبْدِهِ وَابْنِهِ الصَّغِيرَيْنِ أَوْ الْمَجْنُونَيْنِ ، أَوْ بِنِيَّةِ أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْهُ ، بِأَنْ يُوَاطِئَهَا أَوْ يُوَاطِئَ غَيْرَهَا عَلَى الْخُلْعِ ، فَإِنَّ جَوَازَ الْخُلْعِ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَقْوَى مِنْ جَوَازِ الطَّلَاقِ ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَعْقِدَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَهُ عُقُودَ حِيَلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ .
فَإِنَّ الْحِيَلَ الَّتِي يَحْتَالُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي مَالِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَحْتَالُهُ الْمَرْءُ فِي مَالِ نَفْسِهِ ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي مُعَامَلَاتٍ مِنْ الْحِيَلِ ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعَامِلَ السَّيِّدُ نَفْسَهُ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ ، حَيْثُ حَصَلَ غَرَضُهُ بِفِعْلِ عَبْدِهِ ، كَحُصُولِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي جُعِلَ فِي مَذْهَبِنَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ أَصْلًا فَإِنَّ
قَوْلَهُ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّحْلِيلِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ كَلَامٌ غَيْرُ سَدِيدٍ فَمَنْ الَّذِي سَلَّمَ ذَلِكَ ، أَوْ مَا الَّذِي دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ مَنْ يَمْلِكُ فُرْقَةً بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَإِنَّ التَّحْلِيلَ دَائِرٌ مَعَ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي يَقْصِدُ التَّحْلِيلَ مَلْعُونًا ، فَاَلَّذِي يَقْصِدُ أَنْ يُحَلِّلَ بِالزَّوْجِ وَيَفْسَخَ نِكَاحَهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَلْعُونًا ، فَإِنَّهُ يُخَادِعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّجُلِ يُقَدِّمُ إلَى الْعَطْشَاءِ الْمَاءَ فَإِذَا شَرِبَ مِنْهُ قَطْرَةً انْتَزَعَهُ مِنْ فِيهِ ، وَلَوْ أَنَّ السَّيِّدَ أَنْكَحَ عَبْدَهُ نِكَاحًا يَقْصِدُ بِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ لَكَانَ خَادِعًا لَهُ مَاكِرًا بِهِ مَلْعُونًا ، فَكَيْفَ إذَا قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ التَّحْلِيلَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْلِيلَ هُنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَتَوَاطَأَ السَّيِّدُ الْمُطَلِّقُ أَوْ غَيْرُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنْ يَمْلِكَهَا الزَّوْجَ ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْمَرْأَةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا مِلْكَ الزَّوْجِ لِيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ مَلَكَتْهُ ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُرْفَ فِي الشُّرُوطِ كَاللَّفْظِ ، فَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْمُطَلِّقِ ، وَلَا هِيَ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِلْكُهَا لِلْعَبْدِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا فَهُنَا نِيَّةُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ نِيَّةُ مَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ .
ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ ، يَكُونُ كَالْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ التَّحْلِيلَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ وَوَافَقَ فَهُوَ آثِمٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَالسَّيِّدُ إنَّمَا أَذِنَ فِي نِكَاحِ تَحْلِيلٍ لَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَيَكُونُ النِّكَاحُ الَّذِي أَجَازَهُ الشَّرْعُ وَقَصَدَهُ الْعَبْدُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ ، وَاَلَّذِي أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ لَمْ يُجِزْهُ الشَّرْعُ
ثُمَّ إنْ أُخْبِرَ الْعَبْدُ فِيمَا بَعْدُ بِمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ فِي إبْطَالِ نِكَاحِهِ ، وَسَائِرِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي نِيَّةِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ تَجِيءُ فِي نِيَّةِ الزَّوْجَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .


