كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الخامس عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الخامس عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : إنْ تَسَبَّبَ إلَى أَنْ يُفَارِقَهَا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ غَيْرِ الِاخْتِلَاعِ ، وَلَا خَدِيعَةٍ تُوجِبُ فِرَاقَهَا مِثْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ أَنْ يَخْلَعَهَا ، وَتَبْذُلَ لَهُ مَالًا عَلَى الْفُرْقَةِ أَوْ تُظْهِرَ لَهُ مَحَبَّتَهَا لِلْأَوَّلِ أَوْ بُغْضَهَا الْمُقَامَ مَعَهُ حَتَّى يُفَارِقَهَا ، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الِانْتِزَاعِ وَالِاخْتِلَاعِ مِنْ الرَّجُلِ ، فَنَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَخَافُ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ جَازَ لَهَا الِاخْتِلَاعُ ، وَإِلَّا نُهِيَتْ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْوِ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَهِيَ كَسَائِرِ الْمُخْتَلِعَاتِ يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُبَاحُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، هَذَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهَا مُجَرَّدَ فُرْقَتِهِ .
وَهُنَا مَقْصُودُهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَخْتَلِعُ مِنْ زَوْجِهَا لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْعَقْدِ تَنْوِي أَنْ تَتَسَبَّبَ إلَى الْفُرْقَةِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ فَهَذِهِ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الَّتِي حَدَثَ لَهَا إرَادَةُ الِاخْتِلَاعِ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ { الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ } .
فَاَلَّتِي تَخْتَلِعُ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، لَا لِكَرَاهَتِهِ أَشَدُّ وَأَشَدُّ ، وَمَنْ كَانَتْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَلِعَ وَتَنْتَزِعَ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، فَهِيَ أَوْلَى بِالذَّمِّ وَالْعُقُوبَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ غَارَّةٌ لِلرَّجُلِ مُدَلِّسَةٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَتَسَبَّبَ فِي فُرْقَتِهِ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا ، فَكَيْفَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَرَضَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الَّتِي حَدَثَ لَهَا الِانْتِزَاعُ ، فَإِنَّهَا لَمْ تَخْدَعُهُ وَلَمْ تَغُرَّهُ ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخِلَابَةِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ الْخِلَابَةِ ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ .
وَهَذِهِ
الصُّورَةُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ فِي مُطْلَقِ نِيَّةِ الْمَرْأَةِ وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ الْأَوَّلَ ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَنْوِيَ اخْتِلَاعًا مِنْ الثَّانِي لِتَتَزَوَّجَ الْأَوَّلَ ، فَإِنَّ هَذَا نِيَّةُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ لَوْ حَدَثَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ نِيَّةٌ مَكْرُوهَةٌ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاخْتِلَاعِ الْمُطْلَقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَأَمَّا إذَا قَارَنَ الْعَقْدَ فَتَحْرِيمُهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ رَغْبَتَهَا فِي النِّكَاحِ وَقَصْدَهَا لَهُ ، وَالزَّوْجَةُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، فَإِذَا قَصَدَتْ بِالْعَقْدِ أَنْ تَسْعَى فِي فَسْخِهِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مَقْصُودًا ، بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ تَزَوَّجَتْ الْأَوَّلَ ، وَتَحْرِيمُ هَذَا أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ نِيَّةِ الرَّجُلِ مِنْ وَجْهٍ ، وَذَلِكَ التَّحْرِيمُ أَشَدُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ ، فَقَدْ نَوَى شَيْئًا يَمْلِكُهُ ، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ نَوَتْ الِاخْتِلَاعَ وَالِانْتِزَاعَ لِتَعُودَ إلَى غَيْرِهِ ، وَكَرَاهَةُ الِاخْتِلَاعِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ طَلَاقِ الرَّجُلِ ابْتِدَاءً ، وَالِاخْتِلَاعُ لِتَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ أَشَدُّ مِنْ مُطْلَقِ الِاخْتِلَاعِ ، وَإِرَادَةُ الرَّجُلِ الطَّلَاقَ لَا يُوقِعُهُ فِي مُحَرَّمٍ ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُهُ ، وَإِرَادَةُ الْمَرْأَةِ الِاخْتِلَاعَ قَدْ يُوقِعُهَا فِي مُحَرَّمٍ ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَخْتَلِعْ رُبَّمَا تَعَدَّتْ حُدُودَ اللَّهِ .
وَنِيَّةُ التَّحْلِيلِ لَيْسَ فِيهَا مِنْ خَدِيعَةِ الْمَرْأَةِ مَا فِي نِيَّةِ الْمَرْأَةِ مِنْ خَدِيعَةِ الرَّجُلِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ اسْتِبَاحَةَ الْبُضْعِ إلَّا بِمِلْكٍ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ ، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَقْصِدُ رَفْعَهُ لَيْسَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ ، وَهَذَا حَالُ الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِمَنْ تُرِيدُ
أَنْ يُطَلِّقَهَا كَحَالِهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِمَنْ بَدَا لَهُ طَلَاقُهَا فِيمَا بَعْدَ ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ قَطَعَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا ، وَهَذَا جَائِزٌ لَهُ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ حَقِّهَا بِعَيْنِهِ كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهَا ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَلَا حَرَامَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لِتِلْكَ وَاسْتِمْتَاعُهُ بِهَا أَكْثَرَ إذَا عَدَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ قَاصِدَةً لِلتَّسَبُّبِ فِي الْفُرْقَةِ فَهَذَا التَّحْرِيمُ لِحَقِّ الزَّوْجِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَابَةِ وَالْخَدِيعَةِ لَهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ يَمْلِكُهَا بِهَذَا الْعَقْدِ وَيَمْلِكُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا بِحَالٍ ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَتْ نِيَّةُ التَّحْلِيلِ أَشَدَّ ، فَإِنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ تَمْنَعُ كَوْنَ الْعَقْدِ ثَابِتًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُنَا الْعَقْدُ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ ، بِأَنَّهُ نَكَحَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفُرْقَةَ ، فَصَارَ الَّذِي يَمْلِكُ الْفُرْقَةَ لَمْ يَقْصِدْهَا ، وَاَلَّذِي قَصَدَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا .
لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْ نِيَّةِ الْمَرْأَةِ التَّسَبُّبُ إلَى الْفُرْقَةِ ، صَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الَّذِي حُرِّمَ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِضْرَارِهِ بِالْآخَرِ ، مِثْلُ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَبَيْعِ الْمُدَلَّسِ مِنْ الْمَعِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا النَّوْعُ صَحِيحٌ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ بِتَصْحِيحِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ ، وَلَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَ مَعِيبًا بِعَيْبٍ مُشْتَرَكٍ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ أَوْ مُخْتَصٍّ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ أَوْ الرَّتْقِ وَالْفَتْقِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ تَدْلِيسَ هَذَا الْعَيْبِ عَلَيْهِ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْمُدَلِّسَ ، حَتَّى قُلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ إنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ ، فَإِنْ كَانَ الْغُرُورُ مِنْ الزَّوْجَةِ سَقَطَ الْمَهْرُ ، مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ حَرَامٌ عَلَى الْمُدَلِّسِ بِلَا تَرَدُّدٍ ،
وَلَكِنَّ التَّدْلِيسَ هُنَاكَ وَقَعَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَهُنَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ .