كتاب سحر الواقع، لكاتبه ريتشارد دوكينز، والذي ترجمه للعربية المترجم عدنان علي الشهاوي، الواقع هو كل ما له وجود، ويتحقق على الدوام، أليس كذلك؟ لكن الأمر ليس كذلك، هناك مشاكل عديدة.
قراءة كتاب سحر الواقع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من كان الإنسان الأول في الواقع؟
قد يدهشك هذا، لم يكن هناك إنسان أول ـ ذلك لأن كل إنسان يلزمه أبوان، وأولئك الآباء لا بد أن يكونوا من بني الإنسان أيضا! والأمر نفسه مع الأرانب. لم يوجد قط أرنب أول، ولا تمساح أول، ولا يعسوب أول(*****) فكل كائن ـ أيا كان ـ تمّت ولادته كان ينتمي إلى نفس نوع أبويه (ربما مع بعض الاستثناءات النادرة، التي سأهملها هنا). بالتالي فإن ذلك لا بد أن يعني أن كل كائن مولود كان ينتمي إلى نفس نوع أجداده، وأجداده الأقدم، وأجداده الأقدم فالأقدم، وهكذا دواليك.
وهكذا دواليك؟ حسنٌ، الأمر ليس بهذه البساطة. هذا يحتاج إلى قدر من الشرح. وسوف أبدأ بتجربة فكرية. والتجربة الفكرية هي تجربة في خيالك. وما سوف نمضي في تخيله ليس أمرًا ممكنًا بشكل محدد، لأنه يأخذنا إلى طريق، طريق في زمن ماضٍ، طريق طويل قبل أن نُولد، لكنّ تخيلَه يعلمنا شيئا ما مهما.
لذلك، إليك تجربتنا الفكرية. كلُّ ما يتعين عليك عمله أن تتخيل نفسك تتبع هذه التعليمات.
هات صورة لنفسك، ثم خذ صورة لأبيك وضعها في المقدمة. وهات صورة لأبيه، أي جدك. ضع في المقدمة صورة جدك لأبيك، وهكذا لجد أبيك، الجد الأكبر. ربما لم يحدث أن التقيت قط بأي من جدودك السابقين. أنا شخصيا لم ألتقِ بأحد منهم، لكنني أعرف أن أحدهم كان مدير مدرسة في قرية، وآخر كان طبيبًا في الريف، وأحدهم كان يعمل في غابة في الهند البريطانية، وواحد كان محاميًّا، شرهًا للقشدة، ولقي حتفه وهو يتسلق الصخور في كهولته. وبرغم ذلك، لو لم تكن تعرف أي شبه كان عليه والد والد والدك، تستطيع أن تتخيله كشكل باهت نوعا ما، ربما صورة فوتوغرافية بنية اللون غائمة في إطار جلدي. والآن لتفعل الشيء نفسه مع أبيه، جدك الأكبر. ضع ترتيبا للصور مراعيا أقدميتها، عائدا خلالها أكثر فأكثر فأكثر إلى الأكبر فالأكبر فالأكبر من الجدود. يمكنك مواصلة هذا حتى قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي.. هذه تجربة فكرية، على كلّ حال.
كم عدد الأسلاف الذين نحتاج إليهم في تجربتنا الفكرية؟ أوووه، فقط 185 مليونًا أو نحو ذلك بالتأكيد!
ـ فقـط؟
ليس من اليسير تخيل كومة من 185 مليون صورة. كم سيكون ارتفاعها؟ حسنٌ، إذا كانت كل صورة منها مطبوعة على بطاقة تصوير عادية، فإن 185 مليون صورة ستكوِّن برجا ارتفاعه 220 ألف قدم؛ وذلك يزيد على ارتفاع 180 ناطحة سحاب في نيويورك لو وضعنا إحداها فوق الأخرى. على درجة من الارتفاع يتعذر تسلقها، حتى إذا لم تسقط (وهذا قد يحدث). لذلك دعونا نقلبها على جانبها بأمان، ونرص الصور على امتداد طولها على رف للكتب.
كم طول رف الكتب؟
ـ نحو أربعين ميلا.
في الطرف القريب من الرف توجد صورتك. وفي طرفه الأقصى الصورة رقم 185 مليونًا لجدك الأكبر. على أي شبه كان هو؟ هل هو رجل مسن بشعر خفيف وشاربين أبيضين؟ أم رجل من سكان الكهوف في جلد فهد؟ لتنسَ أي تفكير من ذلك النوع. نحن لا نعرف بالتحديد أي شبه كان عليه، لكن الحفريات تعطينا فكرة جيدة رائعة. سواء كنت تعتقد في هذا أم لا، فإن جدك الأكبر رقم 185 مليونًا كان ـ سمكة. وكذلك كانت جدتك الكبرى رقم 185 مليونًا، وهو ما يحدث تمامًا وإلا لم يكن بمقدورهما أن يتناسلا معا، ولم تكن أنت قد جئت إلى هنا.
هيا بنا الآن نتمشى بمحاذاة رفّ الكتب البالغ طوله 40 ميلا. ولنلتقط منه الصور واحدة بعد الأخرى لننظر إليها. كل صورة تبين كائنا ينتمي إلى نفس نوع الصورتين إلى جانبيها، قبلها وبعدها. وكل واحدة تبدو شبيهة فقط بجاراتها في الترتيب ـ أو على الأقل يكون الشبه مماثلا لرجل يشبه والده وابنه. ومع ذلك إذا واصلت السير بانتظام من طرف رف الكتب إلى الآخر، فسترى إنسانًا في أحد الطرفين وسمكة عند الطرف الآخر، وأعدادًا هائلة من الجدود الكبار... الكبار المثيرين للاهتمام في ما بينهم، كما سنرى في التوّ، ويشتملون على بعض الحيوانات التي تشبه النسانيس، وأخرى تشبه القردة، وأخرى تشبه الزبّاب(******)، وهكذا. كل واحدة منها شبيهة بجيرانها على الخط، ورغم ذلك إذا التقطْت أي صورتين بعيدتين إحداهما عن الأخرى في هذا الصف ستكونان مختلفتين للغاية، وإذا تابعت صفّ الصور بدءًا من بني الإنسان إلى الوراء بما يكفي، فستصل إلى سمكة. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟