قراءة كتاب سحر الواقع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سحر الواقع

سحر الواقع

كتاب سحر الواقع، لكاتبه ريتشارد دوكينز، والذي ترجمه للعربية المترجم عدنان علي الشهاوي، الواقع هو كل ما له وجود، ويتحقق على الدوام، أليس كذلك؟ لكن الأمر ليس كذلك، هناك مشاكل عديدة.

تقييمك:
2
Average: 2 (2 votes)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 10

التحول إلى الحجر

والآن، كيف لنا أن نعرف الشبه الذي عليه أسلافنا البعيدون، وكيف نعرف متى عاشوا؟ غالبا من الحفريات.
الحفريات مصنوعة من الأحجار. أحجار اتّخذت شكل الحيوانات والنباتات الميتة. ولقد ماتت الأغلبية العظمى من الحيوانات دون أي أمل في أنها ستتحول إلى حفريات. وإذا كنت تريد أن تكون حفرية، فالمسألة هنا، أن يتم دفنك في النوع المناسب من الطين أو الطمي، ذلك النوع الذي يتصلب في النهاية ليشكل «صخرا رسوبيا».
ماذا يعني ذلك؟ تتكون الصخور من ثلاثة أنواع: نارية، رسوبية ومتحولة. وسوف أتجاهل الصخور المتحوّلة، لأنها كانت أصلا واحدة من النوعين الآخرين: النارية أوالرسوبية، وتغيرت بالضغط أو الحرارة. والصخور النارية (مشتقة من الأصل اللاتيني لكلمة النار ignis) كانت ذات مرة مواد منصهرة، مثل الحمم الساخنة التي تنطلق من البراكين الثائرة الآن، وتبدأ في التصلب لتتحول إلى صخور صلبة عندما تبرد. والصخور الصلبة من كل الأنواع تأخذ في التآكل (التعرية) عن طريق الرياح والماء، لتصنع صخورًا أصغر حجما، حصى، رمالًا وغبارًا. وتصبح الرمال والغبار معلقة في الماء ومن ثم يمكنها حينئذ أن تستقر في طبقات رسوبية أو طمييّة في قاع بحر، أو بحيرة أو نهر. وعلى مدى زمن بالغ الطول، يمكن لهذه الرواسب أن تتصلب لتصنع طبقات من الصخور الرسوبية. وعلى الرغم من أن جميع الطبقات تبدأ مستوية وأفقية، فإننا غالبا ما نجدها وقد تعرضت لالتواءات، وانقلابات أو انحدارات في الوقت الذي نراه فيها، بعد ملايين السنين (سنعرف كيف يحدث هذا في الفصل العاشر المتعلق بالزلازل).
الآن، لنفترض أن حيوانًا ميتًا تصادف أن انجرف إلى الطمي ربما في مصب أحد الأنهار. وإذا تصلب الطمي فيما بعد ليصبح صخرًا رسوبيًا، فقد يتحلل جسد الحيوان تاركا في الصخر المتصلب علامة مجوّفة دالة على شكله الذي نجده في النهاية. وذلك من أحد أنواع الحفريات ـ نوع الصورة الـ «سالبة» للحيوان. أو قد تعمل العلامة المجوفة عمل قالب تستقر فيه مواد رسوبية جديدة تتصلب فيما بعد مكوِّنة نسخة مطابقة «موجبة» للشكل الخارجي لجسم الحيوان. وذلك نوع ثانٍ من الحفريات. وثمة نوع ثالث من الحفريات حيث تحل ذرات وجزيئات معدنية من الماء بدلا من ذرات وجزيئات جسم الحيوان، التي تتبلر فيما بعد لتشكل صخرة. وهذا أفضل أنواع الحفريات، من حسن الحظ، بسبب أن التفاصيل الدقيقة لما بداخل الحيوان يُعاد إنتاجها على الدوام، مباشرة من خلال الجزء الأوسط للحفرية.
وبالإمكان أيضا تحديد تواريخ الحفريات. ونستطيع أن نعرف أعمارها، غالبا بقياس النظائر المشعة في الصخور. وسوف نعرف ما هي النظائر والذرات في الفصل الرابع. وباختصار: النظائر المشعة هي نوع من الذرات التي تتحلل إلى ذرات نوع آخر؛ مثلا النوع المسمى اليورانيوم ـ 238 يتحول إلى نوع يسمى الرصاصـ 206. ونظرا لأننا نعرف الزمن الذي تستغرقه هذه العملية، يمكننا أن نعتبر نظير العنصر ساعة مشعة (له نشاط إشعاعي). والساعات المشعة أقرب شبها بالساعات المائية وساعات الشمع التي كانت تستخدم قبل اختراع ساعات البندول. فالساعة المائية كانت خزانا مائيا به ثقب في قاعه يتساقط منه الماء بمعدل قابل للقياس. وإذا تمّ ملء الخزان وقت الفجر، يمكن معرفة الزمن الذي انقضى من اليوم بقياس مستوى المياه الحالي. والأمر نفسه في ساعات الشمع. فالشمع يحترق بمعدل ثابت، لذلك نستطيع معرفة زمن الاحتراق بقياس كمية الشمع المتبقية. وفي حالة ساعة اليورانيوم ـ 238، نعلم أنها تقضي 4,5 بليون سنة ليتحلل نصف اليورانيوم ـ 238 إلى الرصاص ـ 206. وهذا يسمى «فترة نصف العمر» لليورانيوم ـ 238. لذلك بقياس كمية الرصاص ـ 206 الموجود بصخرة مقارنة بكمية اليورانيوم ـ 238، يمكن حساب الزمن المنقضي منذ انعدام اليورانيوم ـ 238 ووجود الرصاص ـ 206 فقط: بكلمات أخرى، ما الزمن المنقضي منذ كانت الساعة في «الوضع الصفري».
ومتى تكون الساعة في الوضع الصفري؟ حسنٌ، لا يحدث ذلك إلا في الصخور النارية، التي تكون ساعاتها جميعا صفرية في اللحظة التي يتجمد فيها الصخر المصهور ليصير مادة صلبة. ولا يحدث هذا للصخور الرسوبية، التي لا تمتلك «لحظة الصفر»، وهو أمر مؤسف لأن الحفريات توجد فقط في الصخور الرسوبية. لذلك يلزمنا أن نفتش عن الصخور النارية بالقرب من الطبقات الرسوبية ونستخدمها باعتبارها ساعات لنا. على سبيل المثال، إذا وُجدت حفرية في طبقة رسوبية بها صخرة نارية عمرها 120 مليون سنة فوقها، وصخرة نارية عمرها 130 مليون سنة أسفلها، سنعرف أن الحفرية يرجع عمرها إلى ما بين 120 إلى 130 مليون سنة تقريبا. وتلك هي الطريقة التي استخدمت في التوصل لجميع التواريخ التي أذكرها في هذا الفصل. وجميعها تواريخ تقريبية، ولا تؤخذ كتواريخ بالغة الدقة.
ليس اليورانيوم ـ 238 هو النظير المشع الوحيد الذي نستخدمه كساعة. فهناك الكثير من العناصر الأخرى، التي تمتلك فترات نصف عمريّة بانتشار مدهش واسع النطاق. على سبيل المثال، للكربون ـ 14 فترة نصف العمر التي تبلغ 5,730 سنة فقط، والتي تجعله مفيدا لعلماء الآثار الباحثين في تاريخ الإنسان. وثمة حقيقة جيدة هي أن الكثير من الساعات الإشعاعية المختلفة لها تدرّجات زمنية متقاطعة، لذلك يمكننا استخدامها في فحص إحداها للأخرى. وهي عادةً ما تتوافق.
تعمل ساعة الكربون ـ 14 على نحو يختلف عن الساعات الأخرى. فهي لا تشتمل على صخور نارية بل تستخدم بقايا الأجسام الحية نفسها، مثل الأخشاب القديمة. كما أنها واحدة من أسرع الساعات الإشعاعية لدينا. لكن ما تزال فترة الـ 5.730 عامًا فترة طويلة مقارنة بعمر الإنسان، لذلك قد تُبادر بالسؤال عن كيفية علمنا بفترة نصف العمر للكربون ـ 14. لو نحينا جانبا كيف توصلنا إلى أن الـ 4,5 بليون سنة هي فترة نصف العمر لليورانيوم ـ 238! الإجابة سهلة. لا يلزمنا أن ننتظر حتى تتحلل نصف الذرات. نستطيع حساب معدل تحلل نسبة ضئيلة فقط من الذرات، ومن ثم تقدير فترة نصف العمر (ربع الفترة، جزء من مائة جزء من الفترة، ...إلخ).

الصفحات