هذا الكتاب: مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.
قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
![لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/fa324_1.jpg?itok=SHab3mK6)
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثاني
سليمان القانوني يستغل النعرة المذهبية
في مصر، كان المماليك قد أعلنوا التمرد بدورهم بقيادة إينال وجانم السيفي، ولكن اعتدادهم بفروسيتهم، وتقليلهم من شأن سليمان القانوني الصغير السن، وازدرائهم للأسلحة النارية الحديثة التي يستعملها العثمانيون، قرر فشل تمردهم، وهكذا انتهى دورهم في التاريخ! وعين مصطفى باشا العثماني والياً على مصر مكان خاير بك، فقتل جانم، فيما فر إينال إلى غزة حيث اختفت أخباره. ومع وصول إبراهيم باشا إلى منصب الصدر الأعظم، عين منافسه أحمد باشا والياً على مصر، لإبعاده عن الآستانة. وقد باشر «أحمد باشا فور توليه حكم مصر في إلحاق الموظفين والقوات المملوكية في جهازه»((29))، وبدأ في اتخاذ الإمتيازات الملكية، عبر ذكر اسمه في خطبة الجمعة وسك اسمه على العملة، كما طلب من الإنكشارية التي تحصّنت في قلعة القاهرة بالانصياع له، فلما رفضت فرض عليها الحصار، فانسحب الإنكشارية منها عبر نفق سري، وسقطت القلعة بيده سنة 1524م، ثم أعلن نفسه سلطاناً على مصر. ولإضفاء الشرعية على نفسه؛ «طلب من فقهاء المذاهب الأربعة في مصر ومن سليل البيت العباسي ابن آخر خليفة عباسي مهمش حلف اليمين له. لكن الواضح أنه أكثر من مصادرة الأملاك وممارسة الإبتزاز ضد اليهود والمسيحيين، كما عمد لكسب حلفاء جدد له من خارج القاهرة فمنح حق ضرائب الأراضي الزراعية لمنطقة الشرقية لشيخ العرب عبد الدايم بن بقر، الذي كان قد ثار من قبل على حكومة خاير بك، وقد أدّى هذا التحالف إلى تهديد الحدود المصرية - الشامية»((30)).
أمام خطر خسارة مصر، عمدت السلطنة العثمانية إلى استغلال النعرات المذهبية في حربها ضد أحمد باشا، «حيث أشاع العثمانيون في القاهرة أن أحمد باشا الذي تم تلقيبه بالخائن على علاقة وطيدة بالصفويين الذين يحكمون في بلاد فارس ويعتنقون المذهب الشيعي، وأنه تحت إغراء ظهير الدين الأردبيلي تحوّل عن المذهب السنّي، وأصبح من أتباع الشاه إسماعيل الصفوي. وكان ظهير الدين الأردبيلي قد استقر في إحدى المقاطعات العثمانية وتظاهر بولائه للمذهب السُنّي. وقد رأى الأردبيلي أن من المناسب الكشف عن سرّه وماهيته وإظهار حقيقة أمره لكي يُحوّل أحمد باشا إلى اعتناق المذهب الشيعي، وليؤكّد بأن أملاك السنّة قد أصبحت غنائم شرعية. ويبدو أن العثمانيين استخدموا تلك الوسيلة الدعائية بمهارة لتشويه سمعة أحمد باشا بين أتباعه من ناحية، والأهلين في مصر من ناحية أخرى، ذلك لخشيتهم من قيام تحالفٍ فعلي بين والي مصر والشاه إسماعيل الصفوي. ونجحت الدعاية ... وأعلن قضاة المذاهب الأربعة كفره وأوصوا بالجهاد ضده.. ما أدى إلى انهيار قوة أحمد باشا، فحدث انقلاب عليه سنة 1524، وتمكن هو من الفرار إلى الشرقية والتجأ إلى الشيخ عبد الدايم بن بقر. فتعقبه العثمانيون وألقي القبض عليه أثناء القتال ضدهم، «وقد شاءت الصدفة أن يُلاقي أحمد باشا مصيره بالقتل بعد أسبوع فقط من مقتل ظهير الدين الأردبيلي، الذي قُتل في 20 ربيع الأول 93هـ/26 شباط (فبراير) 1524م»((31)).
مكيدة جون عكار
كان قرقماز بن فخر الدين المعني الأول، يحاول الاستقلال بالجبل اللبناني، ولكن مكيدة دبرت للإطاحة به، كان بطلها يوسف سيفا، وتمثلت باتهام قرقماز بحادثة السطو التي وقعت في جون عكار سنة 1584، حيث هوجمت القافلة التي تحمل الضرائب من مصر إلى السلطان مراد الثالث في اسطنبول. بعد حادثة السطو هذه قام العثمانيون بحملة تأديب لعكار وتخريبها، ثم جاء دور الجبل حيث جرّد الأتراك حملة «لتأديب الدروز وعلى رأسهم قرقماز»((69)) والد فخر الدين الثاني، ففر إلى نيحا حيث قتل مخنوقاً في مغارة سنة 1585، وقتل معه 600 من رجاله، فخشيت أرملته السيدة نسب التنوخية على ولديها فخر الدين ويونس، وأوكلت أمرهما لمدبرهما الحاج كيوان نعمه، فأخفاهما في بلونه في رعاية أبو صقر إبراهيم بن سركيس الخازن، كون زوجته صفية «هي ابنة فارس الجميّل من بكفيّا ونسيبة والدته من آل الجميّل. فأبدل الخازني اسميهما تسترًا باسمي فخر ويونان وأبقاهما في عهدته إلى أن بلغا، فاستعادتهما والدتهما الست نسب سنة 1590 وانتقلت بهما إلى عبيه عند شقيقها الأمير سيف الدين التنوخي الذي ولاه وزير الشام حاكمية الشوف خلفاً للأمير قرقماز. فجمع الأمير سيف الدين أكابر البلاد وأعيانها في سهل السمقانية وبايعوا فخر الدين إمارة الشوف. في هذه السنة 1590 توفي الأمير محمد عساف وانتهى معه حكم الأمراء آل عساف التركمان على منطقة كسروان، فاستدعى فخر الدين أبا صقر إبراهيم وأخاه أبا صافي رباح الخازنيين إلى دير القمر وجعل الأول مدبّرًا لأموره والثاني دهقاناً على أملاكه وقائداً لجيشه مكافأةً لهما، ثم رفعهما إلى مصاف المشايخ بمخاطبتهما في رسائله بعبارة «الأخ العزيز» وأوكلهما على مقاطعة كسروان»((70)).