قراءة كتاب أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر

أقنعة الحداثة - دراسة تحليلية في تاريخ الفن المعاصر

في تاريخ الفن المعاصر وأقنعته الشكلانيـــة يتطلع الباحـث والطالب وكل متذوق للفنون للبحث عن النتاجـات الفنيـة التي تحفــزه روحياً وجماليـاً وتستوقفـه فيها طبيعة تجربتهاالمتفردة وأي قنـاع يرتسم على ملامحها .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

الفصل الثاني

النظرية الجمالية الحديثة

الأقنعة التقليديـة

يبحث الفنانون المحدثون عن نظرية جمالية حديثة ليلتقون عندها في نقطة الرفض والنفور من قداسة الفنون التقليدية وأقنعتها وحاولوا محاولات شتى الحطّ من قيمها والسخرية من معالجاتها الفنية البائرة وتلطيخ هالاتها الجمالية، وتسفيل شهرتها العالمية وأخذ دعاة الحداثة الفنية ينادون بأهداف ومعالجات جديدة في الفن، بل انقلبوا على الفن الكامل، بدعوة صريحة بفن ناقص وغير جميل وغير معبّر، وبعيد عن النفع والمضامين وخلوه من (جوهر) محدد، كان في السابق يتباهى الفنانون بتوفره في نتاجاتهم أنهم، حاولوا تغيير (فكرة) المفهوم الجمالي نفسه في الفن، حتى يؤسسوا على أنقاض الفنون الكلاسيكية الرصينة ( كما حسبتها العقول النقدية السابقة وهي تقيّم تلك النتاجات (القمم) وعلى ركائز جديدة، لفنون مغايرة، هازءة، ومدمرة في عدوانية أسلوبية متهكمة من تلك الحذاقة المتحفية للفنانين التاريخين الكبار ووصل الأمر -أحيانا- إلى حد الاستهتار الكامل، والصلافة المبتذلة المقيتة وهم يرفضون حتى مثل هذه المفردات لأنها ألفاظ (قيمية) (معيارية) سلوكية لا علاقة لها بالفن فوضعت قائمة مبتكرة من الاختلافات عن تلك الأسس النظرية القديمة، وعن تلك المعالجات التطبيقية في الإنشاء والمعمار التكويني للنتاج الفني على سبيل المثال جاء (رودان) في تمثال (المفكر) ليجعل من رأس تمثاله أكبر من الحجم المتعارف عليه في ما يخص (النسبة الذهبية) اليونانية والرومانية وفي عصر النهضة مثلا!! فتزعزعت (النسب) بين حجم الرأس الكبير هذا وحجم جسمه الضئيل بتفاصيله الأخرى.

واليك مثلا آخـر:

حيث يتساءل النقاد المصدومين بلوحة تحتفي بـ(حذاء ) فلاحـة!! للرسام (فإن كوخ)، بلونها القاتم وشكلها المشوّه الثقيل وكأنه قطعة رطبة تشربت رطوبتها من الحقل الزراعي الذي تتعهده الفلاحة بالرعاية اليومية الشاقة، فتفطر بمثل تفطر التربة وباتت أخاديده تعكس الهم والأسى الذي ألمّ بصاحبته. يتساءل هؤلاء المندهشون بارتفاع أسفل الإنسان، (أحذيته) لتعلق في لوحة على رؤوس المشاهدين، الفاغرين أفواههم من هذه الجسارة التي تجعل من قطعة خلقة موضوعاً جماليا!! وفاتهم أن يروا فيه بضعة جمالية!! سيكشفها النقاد الجدد، والفنانون الجدد بحساسية، مغايرة حتى أن هذه اللوحة أصبحت اليوم غير مستفزة لذائقة الجمهور.

شكلانية اللوحــة

إن إصرار فنان الحداثـة على إبـراز (شكلانية) اللوحة وسواها، وتعزيز (تخيليتها) وتبدل (تقنياتها) أضعف من تأطير (الموضوعات) ذات المضامين الاجتماعية الواضحة، وأعطى الأولوية لتشكيل الوحدات البصرية بتراكيب فنية مستحدثة، بعيداً عن الوصاية الأخلاقية والمنطقية وكأنه يستبدل في لوحته (النوتـة) الصوتية في الموسيقى إلى (نوتـة) لونية وتكوينية، تنأى بشكلها التجريدي عن المحاكاة المقلدة للأشياء الواقعية، والشخوص العاديين في الحياة، ومظاهر الناس وأرديتهم وأسواقهم ومخادعهم ومعاملاتهم وعباداتهم في دور العبادة فأين هذا الموضوع في لوحات (كاندنسكي) اللونية المجردة، أو في تعامد الخطوط في تشكيلات (موندريان) الخطية الملونة؟ ولكي تتم المجابهة أكثر مما ينبغي تم إقصاء (باليت) الألوان، وجرى توظيف خليط من النفايات الورقية والمعدنية والأجهزة المستهلكة الصدعة لإقامة تمثال من كتل الجليد والرمل أو صرح من علب الصفيح، والقناني المتروكـة، ليتفننوا بصنع نتاجات غير دائمة، وذات عمر زمني قصير، إذ ألغى هؤلاء فكرة رصينة مثل ديمومة العمل ومقاومته للفناء ولفترة زمنية طويلة، تبث خطابها لا لجمهور عصرها، بل للعصور المقبلة كافة.

الشكل ورفض السرديـات

يزحف إذن الشكل بتكويناته ونسق علائقه اللونية والشكلية والحجومية والملمسية، وخطوطه ومساحته الفراغية ليخلق جوّه المتفرد والاستثنائي، ويحوز على قيمة تعبيرية تشتمل على وجهة نظر الفنان في طريقه طرح لغة فنية تبتعد عن إيصال معاني مكشوفة كما كان يجري الحال في السابق. بل تغيرت النظرة للفنون، ولم يعد الفن معنياً بالأجيال القادمة، أو مخاطبة الناس المعاصرين لفترة ظهوره، بل جرى التأكد على (الرسالة الفنية) بتقنياتها ذاتها وبلغتها الإنشائية التصويرية الخالصة من تعالقها المضموني والاكتفاء باستقلال الشكل عن محيطه الاجتماعي، وعن الموضوعات الحياتية المباشرة وكذلك عن تلك اللوحات المحاكية القديمة للطبيعة، ومحاولة صنع طبيعة ما كانت مرئية ومعروفة، كما جرى تقديمها في عالم اللوحة المبتكر فلا يقدم الفن بهجة للناظرين المخدرين باستنساخ أشكال الواقع الخارجية ومضامينه الساحرة، بل غلق عالم السرديات الدرامية، والانفعالات العاطفية، والبحث من خلال هذا العالم غير المرئي عن شواهد أسلوبية فنية تصنع صورها بقوة المخيلة، لا بقوة الخطابات الذهنية والعلاقات السببية المنطقية، إذ حل محلها انفعالاً جمالياً خالصاً.

مذاهب فنيـــة

وسعت الفنون الحديثة من أطر المصطلحات القديمة وطورتها، وخلعت عنها مألوفيتها، بعد أن غربتها بوسائط فنية تلفت النظر إلى نفسها، والى طريقة توظيف عناصرها وآلية اشتغالها، فلم تعد الكلاسيكية، القديمة، التي عرفت في فترة الإغريق والفراعنـة والبابليين، مع اختلاف المعالجات الأسلوبية لكل منها، هي المثال المناسب لفنون الحداثة، بل انحرفت تماماً وبشكل جذري عن اشتراطاته وقوانينه الإبداعية حتى اتخذت فنون القرن السابع عشر لنفسها مهمة انبعاثية للفنون القديمة المندرسة، فالفرنسيون - مثلا- في الأدب حاولوا تجديد الكلاسيكية القديمة.

الصفحات