أنت هنا

قراءة كتاب حيونة الإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حيونة الإنسان

حيونة الإنسان

كتاب " حيونة الإنسان " ، تأليف ممدوح عدوان ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

والنتيجة التي يصل إليها كتاب ‹التعذيب عبر العصور› هي أن الشعبية التي يتمتع بها أي كتاب (ومن ثم أي فن) إنما تعكس ذوق المجتمع الذي يروج فيه. «ومن هنا نستطيع أن نفهم سر شيوع موجة الكتابات والأفلام العنيفة». ثم يقول: «إن الذين لا يستطيعون، لسبب أو لآخر، أن يخلقوا الجحيم الذي يتوقون إليه؛ يشبعون رغباتهم في العالم الخيالي للكتب وأفلام السينما والتلفزيون».

لقد أصبحت لدينا إذًا رغبات خفية (أو معلنة) في ممارسة العنف المؤذي أو مشاهدته. وبمعزل عن السياسة المباشرة فإن السلطات التي تهتم بمواطنيها وبتطويرهم روحيًا وأخلاقيًا (إضافة إلى ما لابد منه من تحسين أحوالهم المعيشية) هي التي تحسب حساب الثقافة المساعدة وتحارب ثقافة الغرائز الحيوانية التي نراها تملأ دور السينما والكتب والمسلسلات والمجلات. وكما يحارب المرض بالتلقيح المضاد قبل وقوعه وبالحمية بعد وقوعه فإن من الممكن التفكير بتطوير الإنسان وتخليصه من أمراض هذا العصر الحيواني الذي لا يريد إلا حيوانات ضارية حاكمة تستمتع بقمع حيوانات مذعورة، وحيوانات تستمتع بقتل حيوانات أخرى، أو بالفرجة على قتل الحيوانات الأخرى وتعذيبها.

وهذا العنف غير المشبع، كما يقول أنتوني ستور في ‹العدوان البشري›، يبحث دومًا عن ضحية بديلة. ويجدها دومًا فيحلها فجاءة محل المخلوق الذي أثار الغضب. وهو مخلوق آخر ليست له أي صفة خاصة لاستجلاب صواعق العنف سوى أنه مستباح للاعتداء عليه. ومن هنا جاءت فكرة الأضحية.

ويعتقد رينيه جيرار في ‹العنف والقداسة› أن فكرة «كبش المحرقة» تخفي عن الناس حقيقة عنفهم التي لم يستطيعوا التعايش معها فيتحد العنف مع المقدس ومع القوى التي تضغط عليهم من الخارج كالموت والمرض والظواهر الطبيعية.

وإذا عكسنا الفكرة وجدنا أن الإنسان يستعين بالمقدس لكي يجد تسويغًا لممارسة العنف. فالعقاب فكرة تسويغية سواء كانت عقابًا تربويًا أم مسلكيًا أم قانونيًا. وهي تنطلق من فكرة الثأر أصلاً. ومن الشرائع الأولى شريعة تاليون، وهي تقول بإيقاع الأذى بالمجرم يشابه الأذى الذي أوقعه المجرم بالضحية. والمبدأ العام هو «العين بالعين، والسن بالسن» (من شريعة حامورابي إلى أن تبنتها التوراة). وفي شريعة الياكوتوس البدائية فكرة أن دم الرجل المقتول يستصرخ الثأر. وهذا يذكرنا بفكرة «طائر الصدى» في تراثنا العربي. وهي التي تقول إن طائرًا خرافيًا يخرج من قبر القتيل، أو من هامته، ويصرخ طالبًا الثأر إلى أن يتحقق.

ويقول ألبرتو مورافيا في مقابلة سنصل إلى تفاصيلها لاحقًا: «الإيطالي لا يؤمن بعدالة الدولة. فحين يجد نفسه مغبونًا ينتقم وحده».

ويرى إيريك فروم أن رغبة الإنسان في الثأر تصعيد لوضعه الشخصي، بحيث يعد نفسه فارض القانون ومحق الحق... أي أنه يضع نفسه في مكانة شبيهة بمكانة الخالق.

وعلى المستوى الجماعي يتحول «ثأر الدماء»، التسمية لإيريك فروم، إلى واجب ديني له رموزه الدينية مثل صلب المسيح ومقتل الحسين. كما أن الإيذاء، وحتى إيذاء النفس، يرتدي صبغة دينية. إن الرقص في حمى الاحتفال يدفع إلى تجريب الإيذاء الذاتي. وهذا ما نراه في حفلات الزار أو حفلات عاشوراء أو في حفلات الرقص لدى أهل بالي. وفي الحالات كلها يريد الراقص أن يوحي بقداسته التي تعني عدم التأثر بالأذى عند التعرض له. ولا ينجح دومًا في ذلك ولكن الجمهور يستمتع دومًا وتأخذه الحمية الدينية. وقد تصل هذه الحمية الدينية إلى درجة إيقاع الأذى المتعمد في الذات، تعبيرًا عن التفاني في المعبود أو المحتفى به أو الحالة كلها.

وإذا توقفنا قليلاً عند مسألة الأضحية والقربان كان لا بد من أن نتذكر أن القربان في الأصل كان قربانًا بشريًا. ومثلما كان الفراعنة يضحون بالبشر بإلقائهم في النيل، كان اليونانيون يضحون بفتياتهم قبل الخروج إلى الحرب. في التراث اليوناني هناك قصة أغاممنون الذي يضحي بابنته قبل الذهاب إلى حرب طروادة. ولدينا أيضًا قصة إبراهيم الخليل الذي رأى أنه يقدم ابنه قربانًا، وإن مبادرة الأب لتنفيذ رؤياه، واستعداد الابن للطاعة في أمر كهذا، دليل على أن الأمر كان مألوفًا ومصبوغًا بالقدسية. وإن الله، كما جاء في الرواية التوراتية أو القرآنية، هو الذي أرسل من يستبدل الكبش بالابن، وهذا هو الاستبدال الأول: أضحية مقابل إنسان.

ولا ننسى أن "المذبح" لا يزال، ولو رمزيًا، جزءًا من أجزاء الكنيسة.

وتبقى الأضحية، حتى وهي رمزية في كبش أوطائر، ذبيحة يتم إسقاط المعنى على دمها. ولهذا فإن العامة لا يزالون يغطون أيديهم في دماء الذبيحة لمباركة ما ذبحت من أجله. (البيت أو السيارة) بتلطيخه بالدم أو بجعل من ذبحت تكريمًا له يمشي فوق الدم.

وهنا ننوه بأن الذبيحة - القربان كانت مطلوبة بذاتها، ثم بعد ذلك جاء التحول نحو الاستفادة من لحمها لإطعام الفقراء.

هناك من يجتهدون لإيجاد تعريف موجز ومختصر للإنسان، فيقولون إنه حيوان ضاحك أو حيوان ناطق أو حيوان مالي أو حيوان يتمتع بالذاكرة أو حيوان سياسي أو حيوان طوره العمل... إلى آخر الصفات. ولكن هذه التعريفات كلها تتفق على منطلق واحد هو أن الإنسان حيوان.
 

الصفحات