كتاب " موتى يقلقون المدينة " ، تأليف عمران عز الدين ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب موتى يقلقون المدينة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لمن تبتسم الملائكة؟..!..
عاد مدير الدائرة، الدائرة التي أعمل فيها كموظّف، من الحجّ. كان قد نهب أموالها، وكتب بخطّ عريض على باب بيته الكبير: "هذا من فضل ربيّ ". لم أذهب مع طاقم الموظّفين لتهنئته بالعودة سالماً، كنتُ مرهقاً، متعباً، تخشى الذبابة أن تقترب منّي، لكنّني أبليت بلاء حسناً في تغطية غياب الجميع، وإدارة أمور الدائرة. تنهّدتُ وأنا أمتطي "السرفيس"، رفض "المعاون" أن يأخذ الأجرة مني، وراح يدسّ قطعاً نقدية في جيبه، عندما وصلت، أعلمتُ السائق بسرقة "المعاون" من الغلّة، إلّا أنّه لم يأبه للأمر، ربّما لأنّه كان مشغولاً بالحديث مع زوجته من جوّاله!..
عندما وصلت إلى الحارة، كانت الناس تغذّ الخطى نحو المسجد، فاعتقلتني الدهشة، ذلك أنّ يوم الجمعة ما يزال بعيداً، حتّى بدا المشهد شبيهاً بمشهد الحشر، كان البعض منهم يصلّي تقرّباً لله، والبعض الآخر لمآرب أخرى، ربّما... ليوهموا الناس أنهّم شرفاء مثلاً، وانغمستُ بينهم، لأتفاجأ بـ "تابوت"، زالت دهشتي قليلاً، وسألتُ أحدهم:
ـ من الميّت يا أخي؟....
غير أنّه لم يكلّف نفسه عناء الردّ، فجأةً ارتفع صوتُ الخطيب:
ـ يا أمّة الإسلام.. لقد مات بالأمس ابن حارتكم عبد الستار بن محمّد بن محمود، فعلى من يرغب منكم في الصلاة عليه، التوجّه إلى المسجد، قبل أن يوارى جسده في التراب. ليُنهي نداءه بخشوع ما بعده خشوع، ثمّ راح يتضرّع:
ـ ليغفر الله له ولنا ما تقدّم من ذنوبنا وما تأخّر!..
وعادت الدهشة تحتلّني، فتمتمتُ مُستغرباً: ولكن هل يوجد في حارتنا شخص آخر يحمل الاسم ذاته، الذي أحمله أنا؟.. غريب!.. لم يكن قد سبق لي أن سمعت باسم مطابق لاسمي بين سكّان الحارة !.. واشتدَّ الهرج بين المتطوّعين للصلاة على الميت. وقال أحدهم:
ـ لقد كان كريماً !..
فيما همي آخر بصوت خفيض:
ـ بل كان مُعقّداً !..
وعقب ثالث:
- لقد كان شكّاكاً، يوسع زوجته الضرب ليلاً ونهاراً!..
أمّا أبو حسن السمّان فقال متحسّراً:
ـ لقد استدان منّي مبلغاً كبيراً، وأردف بمرارة:
ـ وربّما سرق من محتويات الدكّان ؟..!..
في حين راح أخوه يؤكّد:
ـ زوجته ما زالت شابة، ستتزوّج عشيقها بعد موته، لقد ارتاحت المسكينة منه!..
سقطتُ على الأرض، مغشياً عليّ من هول الصدمة، ثمَّ بعد أن استعدتُ وعيي، اقتحمتُ الجمهرة، ووقفتُ أمام الخطيب وجهاً لوجه:
ـ أنا لم أمت يا شيخ، وهأنذا أمامكَ حيّ أُرزق.
لكنّه لم يرد، كانت نظراته مصوّبة على الجسد المسجّى، وهو يتمتم بأدعية وآيات متفرقة من القرآن، فصرخت فيهم محتجّاً: