كتاب " الهروب وراء الظلام " ، تأليف محمد نور عبد الله رمضان ، والذي صدر عن دار الجنان عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
الجريمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كتاب " الهروب وراء الظلام " ، تأليف محمد نور عبد الله رمضان ، والذي صدر عن دار الجنان عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
الجريمة
الهروب الكبير
ألفى النهر وهو مضطرب كانت هناك حبيبات من الدماء قد تناثرت على جلبابه وحذائه لم يرها في حينها كان جل اهتمامه أن يخرج من المنطقة دون أن يكتشف أحدهم الجريمة الشنيعة التي اقترفها ولما دنا من الشاطئ كان الماء ساكناً هادئاً إلا من صوت مجداف صياد ينثر شباكه هنا وهناك عله يظفر بسمكة يكمم بها أفواه أطفاله الجياع ، وما أن رآه صاح بصوته المبحوح طالباً من الصيّاد أن يوافيه بسرعة ليحمله إلى الضفة الأخرى إلا أن الصيّاد ظل صامتاً ولم يجبه بالنفي أو الإيجاب وهو يجر الشبكة بهدوء وقوة معاً حيثُ تعلق بها شيء ثقيل وهو يحاول جاهداً أن لا يدع هذا الشيء يفلت منه وهو الآخر( المتعلق بالشبكة ) لا يود أن يكون لقمة سائغة سهلة فكان صراعاً عنيفاً يدور بينهما .
****
تقاطرت أعداد غفيرة من الأهالي عندما سمعوا صراخ أحد زبائن سلوى والذي جاء باكراً لاحتساء كأس الصباح ولما دخل منزلها تفاجأ بها مستلقية على ظهرها وسكينة مغروزة في صدرها ونزيف حاد يخرج من جوفها ووجهها الذي يشع نوراً وبريقاً أصبح شاحباً مُصفرا وهي تئن بقوة تعيش لحظات حرجة بين الحياة والموت ، أنفاسها تصعد وتهبط تفتح فمها ثم تغلقه بصعوبة تحاول جاهدة أن تقول شيئاً ولكنها غير قادرة فكأنما جدار من الصمت مشيداً داخل نفسها.
تطوع أحدهم وأتصل بالشرطة والتي جاءت في وقت وجيز رغم وعورة الطريق وبعُد المسافة عن مكان الحادثة . كانت سيارة الإسعاف تتبعهم تتهادى بين البطء والاستعجال وصوت انذارها المميز يخترق آذان الراكبين على السيارات الأخرى والراجلين بعنف، وبعد المسح المبدئي ورسم مسرح الجريمة استطاع أحد المسعفين أن يخرج السكين ويوقف نزيف الدم المتدفق وأفادهم بأنها لم تمت وأخذوها إلى المستشفى على جناح السرعة ، أما الزبون الذي عثر عليها أخذته الشرطة كشاهد عيان لاستجوابه والوقوف على حيثيات القضية وأبعادها.
****
بعد عناء بدني وذهني خارق استطاع الصيّاد الداهية أن يسيطر على السمكة الماكرة وينتصر عليها ويرفعها عن الماء التي كانت ترثي حالها وتشتاق إليها ووضعها على قاربه وهو يبتسم ملء فيه فقد مر عليه زمناً طويلاً لم ير فيه سمكة عِجل بهذه الضخامة والتفت إلى الصادق وقال في انشراح :
ـ ما بك تصيح ؟
وأضاف في سعادة :
كنت ستفسد عليّ كل شيء.
ولو لم أكن فطن لفقدت هذا الصيد الثمين الذي ظفرت به .
قال الصادق في تودد وأشرعة الأمل تتراءى له وهي تنطوي بسرعة:
ـ أرجوك خذني معك إلى الضفة الأخرى .
وقال الصيّاد في عناد وهو يشد حبل المستحيلات البالي الممزق:
ـ لدي شباك كثيرة نثرتها في الماء ويجب أن أطوف عليها جميعاً قبل أن أذهب إلى حيثُ تريد .
وقال الصادق وهو بين المتفائل والمتشائم :
ـ ألا يكفيك هذا الصيد الذي فزت به .
وأردف في رجاء:
لا تكن طماع وأقنع بما قسمه الله لك من رزق.
وقال الصيّاد محاولاً قطع الطريق على الصادق :
ـ أنا لا أعمل في حمل العابرين عليك أن تذهب إلى المُشرع حيثُ يتوقف (البنطون) سيقلك إلى الضفة الأخرى.
وأضاف الصادق وهو يستجدي الصيّاد :
ـ سأدفع لك ما تريد فقد تأخرت . الجدال لا طائل منه .
وأضاف الصيّاد في تحدي :
ـ لا تصعد قاربي هذا إلا إذا دفعت لي عشرة جنيهات .
بحث الصادق في حاجيات سلوى ورأي رزمة من النقود أخرج منها عشرة جنيهات وأشار بها إلى الصيّاد ثم قال:
ـ هذا ما طلبته.
نظر الصيّاد إلى الصادق ملياً ثم قال مبتسماً كأنما ملك الدنيا كلها :
ـ كان عليك أن تدفع جنيهاً واحداً للبنطون وتدخر التسع جنيهات الباقية.
ورد الصادق بقوله :
ـ الزمن .. الزمن أهم من المال .
تناول الصيّاد الورقة ذات العشرة جنيهات ووضعها في قاع جيبه المبتل وداس عليها بأصابعه الجافة وتأكد بأنها لا ترى الشمس ثانية ثم طلب من الصادق أن يصعد وبعد ذلك غرز مجدافه في الطين ودفع قاربه بقوة و شق عباب الماء الساكن كما الصاروخ المنطلق من منصته ولما توغل وسط النهر خفق قلبه الثابت حينما رأى دماء تلطخ جلباب الصادق وحذائه وسأله في دهشة وبصوتٍ مخنوق :
لماذا ترتجف أقدامك هكذا ؟
وأضاف في وجل:
وما سر الدماء المتناثرة على جلبابك وحذائك ؟
لابد أن وراءك خطبٌ عظيم .
قال الصادق بصوت متحشرج بعد أن ابتسم ابتسامة مصطنعة:
ـ حدث شجار عنيف بين مجموعة من الشباب واستخدموا فيها العصي وسالت دماؤهم غزيرة وقد قمتُ بتفريقهم بعد مشقة ومجهود جبار .
وأضاف وهو يرمق الصيّاد بنظرة حائرة :
ـ شباب هذا الزمن يختلفون كثيراً عنا ، كنا في السابق نوقر الكبير ونضع له مكانته ، أما الآن فلا احترام ولا تقدير اختفى كل شيء ولم يعد الحاضر كالماضي .
صمت الصيّاد رغم أنه لم يقنع بالأسباب والحجج الواهية التي ساقها الصادق وظلا هكذا حتى وصلا الشاطئ وآب الصياد إلى عمله في فرحة . أما الصادق فقد ولج السوق ليبدأ رحلة الهروب من هناك.