كتاب " وحيداً كذئب الفرزدق " ، تأليف أمجد ناصر والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب وحيداً كذئب الفرزدق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

وحيداً كذئب الفرزدق
مديح لمقهى آخر
مقهى آخر
بوسعكَ،
أنتَ الذي لا يكلُّ من الارتهانِ
بوسعك أن ترحلَ الآن:
لا وجهةً
لا حقائبَ
لا ماءَ في جرَّة العُمرِ
لا زوجةً في الثياب النظيفةِ
لا مطراً في المسالكِ
لا نجمةً في الفضاء الذي يكسرُ الظَهْرَ
صحيحٌ!
ولكنه كفنٌ واحدٌ ثم ترتاح!
ـ أقمتُ طويلاً؟
ومقهى "الجزيرة" لم ينحنِ في المساء،
على ركبتيه
لم يشتهِ شارعاً آخرَ
لم يضقْ بمساحتهِ
وبأخشابهِ الشّتويةِ،
بالزُبن الدائمين
ولم يرتجلْ مشهداً للنساءِ المثيراتِ
في المدنِ الساحلية
لم ينتهِ ضيّقاً كيديكَ،
- وماذا تقولُ؟
- أحاولُ أنْ أهتدي لصباحٍ
يلائمُ ترنيمتي وهوامَ الشعابِ.
صباحٌ آخر
وكلَّ صباحٍ
يفاجئُنا باحتمالِ الرحيلِ
إلى مدنِ الآخرينَ،
ذات الملامحِ في وجههِ المستطيلِ
البثورُ الدميمةُ
- ما يسميه حبَّ الشبابِ -
التعابيرُ
والمبسمُ المتراخي.
- أترحلُ؟
- هذا الصباحُ مواتٍ؟
- اذا شئتَ كان..
ولكنها نظرةٌ للمدى المتباعدِ،
تلكَ الغيومُ البعيدةُ فوقَ الشِّعاب
التي لا تُرى
وأخرى لشاي "الجزيرة"،
هذي السخونةُ في ملمسِ الكأسِ،
وثالثة للرفاقِ المحيطين،
التآلفُ في لغةِ اليوم والفهمِ؛
يسقطُ طيرُ الفجيعةِ في دمهِ المرتخي ولا يهتدي
للبداية.
كلامٌ آخر
لم تكن تلك رغبته الوحيدةَ ولم يكن يحفلُ بالمسرات كثيراً ولكن جسده المحترقَ بالرغبات والمنطفىء في الاسفلت البارد واصلَ النشيدَ المحكومَ بالفجيعة.
يحاصرُنا بالخرائط،
بالاحتمال والحدقة الفارغة.
ويبحثُ بين الوجوه عن الدهشة المستمرة
وبين البلاد عن الوطن المستمر
وبين الأصابع عن لسعة الاغتراب
وبين الجوارب عن لحم انثى.
وما كانَ يبحثُ عن لغةٍ تنشلُ العمرَ
والشِّعرَ غبَّ ابتعاد الخطى والحقائب،
ما كانَ...
ما كانَ...
كلُّ بلادٍ على بعد مرمى الحجر
والبلادُ التي لم تصلها اليدان
لم تصلها الحجارةُ بالناس
منبوذةٌ في عراء الأباعد.
أيُّ القصائدِ لم تبتدىء بالأنا واليباس؟
وأيُّ الرّياح التي لا تهبُّ على غرتي؟
لم تكن رغبةً في عبور الضبابات والمطر المتساقط في العين
لكنه الجسدُ المتواثبُ يحملني للنشيد أو الانتحار.
تداع أخير
لا فرقَ بين المعاطف في ثلج "جلعادَ"
وبين القميص المشّجر بالدم في "الاشرفية"
هذي البثورُ الدميمةُ في وجهك المستطيل
ومقهى "الجزيرة" في جادة "الملك فيصل"
والله في أهبة للرحيل
ولا زوجة في ثيابك
لا نجمة في السماء
التي تكسر الظَهرَ منذ انحسار الرضا.
الشجر
النشيد:
أيتها المدنُ المبهمه
يا موطنَ الحجارِ والعرقْ
أيها الزمنْ
يا مولعاً بالاندحار والمفاجأة
يا حديدْ،
يا طوطميِ الجديدْ
أعطِنا نبيذَنا القوي
ويوَمنا السعيدْ.
القصيدة
لنقل إنه الارتحالُ عن الوطن البدويّ الصغير
انحدرت مع الإبل
مع وبرها المتعطش للعشب والشعر
صوبَ الحجار الكبيرة والجرف والمدن المبهمة.
وطنٌ بدويٌّ صغيرٌ على كتفي واقفٌ كالشّجر
يا شجر..
أنت يا واقفا فوق كتفي المهيض
تودع "عجيانَنَا" و"الحلالَ" الذي يشهقُ الآنَ مختنقا بالهجير
يا شجر..
أنت يا ضاربا في الغيومِ البعيدةِ
في روح أمي.
مررنا على "وضحةَ" المستحمةِ بالصّهدِ والشّيحِ
لما تزل نكهةُ الثدي والعنقِ عالقةً في لساني
ولما يزل صوتُها البدويُّ يباعدني في متاه السفر.
يا شجر..
أيها الميتُ والحيُ والوطنُ المبتلى بالرجال الصغار
شربناك في أمسنا علقما وفي يومنا علقما
وفي غدنا حجرا عاقرا كالسماء.
مرةً ثانيه
يهبطُ الشوقُ مختلطاً في الأصابع
مشتكباً في دمي البكرِ
والحجارُ الكبيرةُ داخلةٌ في ضلوعي
وخارجةٌ من يديَّ
وطالعةٌ كالحديد على غرتي المُغضية.
***
تطامنتُ حين دخلتُ "السلمونَ" الصغيرَ
أليفٌ هو البار مثل بلادي الصغيرة
يشرّعُ أبوابه للهموم النبيلة
يشعلُ للقادمين من الشارعِ المستريبِ
نجوما نحاسيةً
ويغمرُها بالعرق
نجمةً
نجمةً
جسداً مزهراً بالحريق.
إننا في الحريقِ نمازجُ بين الوجوهِ الأليفةِ والماء
بين الرمال المعافاة والسِّلِّ
ونودعُ سرَّ التشتتِ في حضرةِ العرقِ الأبيضِ
المتصلبِ في زهرة الرأس.
***
عندها أتسللُ من عتمة البارِ
مندهشا بالحضارات والطرقِ الموصدة!
إنني المستلّلُ من عتمةِ البارِ
في عتمةِ الليلِ
في عتمةِ الشارعِ المنتحي جانبا
نحوَ عتمةِ صدري الثقيلة
وأهجسُ متكئا
على قامتي الناحله:
رجالا لهم قامةُ الرّمحِ
أطالوا الوقوفَ على جثةِ البدويِّ الصغيرِ
ومروا خفافا على دار بائعة اليانصيب
اشتروا ورقا واحتمال الخسارة.
شارعُ "السلط" كان طويلا ومزدحما بالخطى
والنساء الجميلات
و"الشهرزادُ" تقدّمُ بيرتها البارده
من الصّبحِ حتى الهزيعِ الأخيرِ
تقدّمُ بيرتَها البارده.
عمان مطلع 1977