قراءة كتاب حرب السويس وشروق شمس الناصرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حرب السويس وشروق شمس الناصرية

حرب السويس وشروق شمس الناصرية

كتاب "حرب السويس وشروق شمس الناصرية " ، تأليف نواف نصار ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

وإذا ما أردنا تلخيص مبدأ إيزنهاور الذي لم يحقق شيئاً للمنطقة سوى الفرقة والتشتيت ، نقول :
1- صور الاتحاد السوفييتي وكأنه بعبع استعماري يريد التهام المنطقة ، وقد أثبتت الأيام عكس ذلك تماماً ، فالبعبع هو الغرب الذي أظهر نواياه في حرب السويس وغيرها م الحروب .
2- جعل الناس يكرهون أميركا لأنها استعمار جديد مكان القديم .
3- كان هذا المبدأ عامل تفتيت وتفريق للمنطقة لانقسام المسؤولين والشعوب بشأن صدق المبدأ وصلاحيته .
4- إظهار شخصية عبد الناصر التقدمية الواقعية ، وكشف سياسة الأحلاف وما وراءها من مؤامرات لخلخلة النظام العربي .
5- ترك ايزنهاور ميراثاً سيئاً للذين جاؤوا من بعده من حكام .
6- أن هناك من الدول العربية والإسلامية من هو كامل الاستعداد للانضواء تحت أي نفوذ استعماري على حساب اخوته من العرب والمسلمين !
7- أن دول الاستعمار ما زالت تصر على البقاء في المنطقة إبقاء لنفوذها فيها ،للأسباب التي ذكرناها سابقاً كخطورة الموقع ووجود النفط ..الخ.
وبسبب حلف بغداد ، يحاول البريطانيون التذرع بالنفوذ السوفييتي في مصر للهجوم عليها ، ولجر أميركا معهم في الهجوم المرتقب " لذا فإن تقرير رئيس هيئة أركان حرب المملكة المتحدة المرفوع إلى وزير الدفاع ووزير الدولة للشؤون الخارجية ، يقول تقريباً أن نجاح الشيوعية ومصر أصبح مهدداً لمصالحنا الحيوية وكذا مواقعنا الاستراتيجية ومصالحنا الاقتصادية والسياسية ، ولذا فإنه ينبغي علينا أن نعمل بسرعة من أجل تدارك الموقف .
وفي الفقرة الثانية يخلص التقرير إلى أن السماح لعبد الناصر ببناء إمبراطورية عربية تلتف حوله هو الخطر بعينه ضدنا ، وهو ما يستفيد منه الاتحاد السوفييتي ، وأن تزايد قوة عبد الناصر سوف يعطيه بلا شك الفرصة للتحكم في قناة السويس مما يتعارض مع مصالحنا ، ويعرضنا للخطر " ( 33 )
إذن فالخطر قادم من التفاف العرب حول قيادة واعدة واعية ، وطنية صادقة مؤمنة بقدرات الأمة إذا ما اتحدت وسلمت أمورها لهذا القائد الرمز ، ولأجل التخلص منه ، يتذرع البريطانيون وغيرهم طوراً بحلف بغداد ، وتارة بالقناة ، ويخفون الأسباب الأخرى الأكبر والأخطر – في نظرهم - ألا وهي وحدة هذه الأمة وتسخير قواها من أجل التخلص من والاستعمار والتبعية .
وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه ناصر ، فلم تكسب الدول المشاركة في الحلف شيئاً منه ، لا دعماً اقتصادياً ولا عسكرياً ولا تحالفاً صادقاً ضد الأخطار ، وأين هي الأخطار إذا استثنينا إسرائيل !
وقام انقلاب عسكري في العراق في14 تموز وقتل نوري السعيد ،وقتل معه الملك فيصل الثاني ، وخاله الأمير عبد الإله ، وأعلن النظام الجمهوري ، وتم إلغاء الحلف ليحل مكانه حلف آخر باسم الحلف المركزي ومقره أنقرة !
ثالثاً :إجلاء الإنجليز عن مصر:
بعد مقاومة طويلة وعنيدة من الشعب المصري ، ولما كانت ثورة يوليو قد اعتبرت جلاء المستعمر وإلغاء أي معاهدة سابقة مع النظام السابق من أهدافها ، ألح عبد الناصر على تنفيذ رغبة الأمة في جلاء القوات البريطانية عن منطقة القنال ، فبدأت المباحثات في 27 نيسان 1953 ، وتوقفت لفترة طويلة ، ثم أستؤنفت في 20 كانون أول ، وفي 27 تموز 1954 تم الاتفاق على الجلاء على مراحل ، كانت نهاية المرحلة الأخيرة منه في آذار 1956 ، فغادرت القوات البريطانية – وعددها 70 ألفاً – القناة بقيادة الجنرال هل ،وقد تسلمت مصر بموجب هذا الجلاء منشآت ومعسكرات تزيد قيمتها على 70 مليون جنيه .
ونتيجة لهذا الجلاء ارتفعت الأصوات المعارضة في الحكومة البريطانية وبرلمانها ، واتفق الحزبان المتنافسان العمال والمحافظون على أن شروط المعاهدة كانت في صالح مصر ، وفيها إذلال لبريطانيا ، وعلق زعيم المحافظين ووتر هاوس ساخراً " إننا نحن المحافظين قد نعينا على العمال تسليم عبدان لإيران ، وها نحن نسلم اليوم القناة لمصر " ( 34 )
وكان الزعيم الراحل قد أذاع يوم 27 تموز 1954 البيان التالي :
" أيها المواطنون : اننا نعيش الآن لحظة مجيدة في تاريخ وطننا .. إننا نقف الآن على عتبة مرحلة حاسمة من مراحل كفاح شعبنا ، لقد وضع الهدف الأكبر من أهدافنا منذ هذه اللحظة موضع التنفيذ الفعلي ،لقد وقعنا الآن بالحروف الأولى اتفاقاً ينهي الاحتلال وينظم عملية جلاء القوات البريطانية من أرض مصر الخالدة ، وبذلك تخلص أرض الوطن لأبنائه شريفة عزيزة منيعة بعد أن قاست اثنين وسبعين عاماً مريرة حزينة "( 35 )
وفي يوم 18 حزيران 1956 رفع عبد الناصر علم مصر على مبنى البحرية في بور سعيد ، واصبح هذا اليوم عيداً قومياً هو عيد الجلاء .
رابعاً: كسره احتكار السلاح من دول الغرب :
كانت الدول الاستعمارية الثلاث بريطانيا وفرنسا وأميركا تريد دائماُ البقاء على حالة التوازن في ميزان القوى بين الطرفين العربي والإسرائيلي ، لذا كانت حريصة على عدم تدخل الكتلة الشيوعية في مسائل التسليح وذلك من اجل إبقاء إسرائيل في حالة تفوق أبدي ، وذلك حفاظاً على مصالحها – أي الدول الثلاث- في المنطقة ، ولكن الزعيم الراحل لما وجد أن الغرب لن يمده بشيء ، توجه إلى الكتلة الشيوعية بدون تردد .
لقد كان لعقده صفقة الأسلحة التشيكية دوي هائل في العالم ، فقد كان قراراً شجاعا لا يصدر إلا من زعيم واثق بنفسه وقدرات أمته .
فبعد اعتداء إسرائيل على قطاع غزة في 28 شباط 1955 وقتلها عدداً كبيراً من المدنيين ، خاطب ناصر دول الغرب مطالباً بالسلاح ، فلم يستجب لطلباته ، فانتهز فرصة لقائه برئيس وزراء الصين الشعبية في مؤتمر باندونج في نيسان عام 1955 ، ووسّطه لعقد صفقة مع السوفييت الذين وافقوا على الفور.
وقد حاولت أميركا إيقاف إتمام الصفقة ، فأرسلت وزارة خارجيتها جورج ألن لإقناع ناصر بإلغاء الصفقة ، ولكن المحاولة باءت بالفشل ،
ويعلق الرئيس الأميركي ايزنهاور في كتابه " النضال من اجل السلام : إن المحاولات الشيوعية لإحداث القلقلة أصبحت مستمرة ، وقد اقتنع الحمر بان الشرق الأوسط يشكل طريقاً يخترق العالم الحي ،ويوجد خلافات في التعاون القائم بين البلاد الغربية ، أما وقد أصبح الأمر يتعلق بتهديد سوفييتي ، فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تلتزم الصمت ، وعلينا أن نتصدى لهذا التهديد " ( 36 )
" رحبت موسكو بالطلب المصري ، وعرضت التسهيلات ، إذ قبلت أن يكون محصول القطن المصري ثمناً لصفقة الأسلحة ، وتقرر أن تنسب إلى تشيكوسلوفاكية لأكثر من سبب، فقد فضلت موسكو عدم مواجهة الغرب ،وحتى يبدو ناصر أقل ميلاً لليسار حيث كانت إسرائيل تحصل علـى
الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا إثناء حرب فلسطين ، كما راوده الأمل في إمكانية أن يغير الغرب موقفه ويستجيب لطلبه-من الأسلحة- ، وانتظر بعض الوقت ، لكنه اضطر في النهاية إلى الإعلان عن صفقة الأسلحة رسمياً في 27 سبتمبر- أيلول- 1955 ، وكان معنى ذلك أن سيطرة الغرب على الأسلحة في الشرق الأوسط قد أصبحت منتهية " ( 37 )
ومع أن هيكل يقول أن " الصفقة الأولى لم تكن كبيرة ، إلا أنها كانت تغييراً واضحاً في موازين القوى " ، أقول : إنها ممتازة في ذلك الزمن الصعب لدولة خرجت لتوها من نظام فاروق الفاسد الذي لم يحاول لا هو ولا زبانيته عقد صفقة مثلها أو اقل منها .
ويورد لنا هيكل مشكوراً تفاصيل الصفقة ، وكانت :
530 عربة مصفحة
230دبابة
200 ناقلة جنود مدرعة
100 مدفع ذاتي الحركة
500 قطعة مدفعية من أنواع مختلفة وثلاث غواصات
200 طائرة مقاتلة وقاذفة
مجموعة بحرية تضم مدمرات وكاسحات ألغام ( 38 )
وفي الأسبوع الثاني من اكتوبر 1955 تحدث دالاس وزير خارجية اميركا مع نظيره السوفييتي مولوتوف في موضوع الصفقة ،
منذراً بأن الصفقة قد تسبب قيام الحرب ، وأرسل ايزنهاور رسالة الى الرئيس السوفييتي بولجانين يقول فيها :
" لقد تسلمت رسالتك في 22 أكتوبر بخصوص صفقة الأسلحة لمصر ، والتي ذكرت فيها انه لا داعي للقلق من هذه الصفقة ، ولكن على الرغم من ذلك ، وبناء على معلوماتي فإن هذه الصفقة قد زادت من خطر انتشار أعمال العنف في المنطقة ، ولقد طلبت من دالاس أن يقوم بمزيد من المباحثات مع مولوتوف في جنيف بهذا الخصوص "
وكتب نائب وزير الخارجية البريطانية ايفلن اسكابير يقول : لقد كنا نفترض أن الخطر السوفييتي في الشرق الأوسط إما أن يأخذ شكل العدوان المباشر او الأعمال الهدامة بالنمط الشيوعي المألوف ، وقد كان اعتمادنا على الرجال الأقوياء مثل نوري السعيد واللواء زاهدي والبكباشي عبد الناصر لإخماد النشاطات الشيوعية ، واعتمدنا اكثر على التنمية وتحسين مستوى المعيشة ، وما إلى ذلك نتيجة الثورة الجديدة في الدول العربية ، ولكن وجد الروس طريقة مختلفة تماماً لاختراق المنطقة ، فقد اختاروا أقوى ديكتاتور واشد المقاومين للشيوعية في الشرق الأوسط ليؤيدوه وبطريقة تكاد تكون معصومة عن الخطأ ، اختاروا ذلك الشكل من الإغراء الذي لا يمكن لمثل هذا الرجل أن يقاومه ، والذي سيكون مضربا للدول العربية الأخرى ، إذ ان تزويد الأسلحة يعني بالنسبة لأي جار لإسرائيل شيئاً واحداً فقط ، هو زيادة قوته ضد إسرائيل ، وفي الواقع ، فقد استطاع الروس أن يجدوا نقطة الضعف المركزية لموقفنا في المنطقة ، ألا وهي وجود إسرائيل كمحمية للغرب ، وقد اتخذ الروس قراراً بتأييد العرب ، وهذه دون شك ضربة معلم ، وربما يعتمد مستقبل هذا البلد ومستقبل أوروبا الغربية على رد فعلنا ضدها ، وقد استطاع الروس إقناع الرأي العام العربي بأنهم مؤيدون للعرب ضد إسرائيل ،وان القوى الغربية تقف إلى جانب إسرائيل فإنهم سينجحون نسبياً في انتزاع موطىء قدم "(39)
ويذهب الغربيون المتصهينون بعيداً في حذرهم وخوفهم على ربيبتهم إسرائيل ، فالكل قلق ومهتم وساهر عليها وعلى راحتها ولا يترك فرصة إلا ويهتبلها تأكيداً لولائه للصهيونية ، فها هو المارشال تمبلر رئيس هيئة الدفاع البريطاني يقول محذراً من تواجد السوفييت في المنطقة للأ سباب التالية :
1- إن صفقة الأسلحة مع مصر كبيرة ، وتتضمن تسليح ثلاث فرق مدرعة .
2- إن تسليح الجيش المصري على هذا النحو سوف يحدث خللاً في موازين القوى الإقليمية ، وسوف يمكن مصر من ممارسة دور أكبر في الشرق الوسط .
3- إن اتجاه مصر إلى موسكو للحصول على السلاح يعني أنها لن تنضم لأي حلف دفاعي غربي .
4-إن المثل الذي ضربته مصر سوف يغري آخرين بان يسلكوا نفس الطريق 5- هذا الوضع سيؤدي إلى سباق في التسلح ، وقد تقرر إسرائيل مهاجمة مصر قبل أن تستوعب السلاح الجديد .
6- أصبح حلف بغداد مهدداً بفقدان فاعليته ، لأن الاتحاد السوفييتي قفز وراءه .( 40 )
وحديث تمبلر واضح لا لبس فيه ، وليس بحاجة لشرح أو تفسير ، فالرجل خائف أن تتقوى مصر بالسلاح الجديد ، وهذا ممنوع عليها وعلى سواها من أعداء إسرائيل ،وهذه القوة التي قد تمتلكها مصر تعني خروجها عن الطوق ، وسعيها للتحرر ، لذا هي لن تفكر في الخضوع لأي حلف ، والكلام الأجمل هو أن الدواعي التي دعت لتأسيس حلف بغداد - وأولها منع السوفييت من التوغل في دول الشرق – قد زالت الآن لأن السوفييت تجاوزوا ذلك كله ووصلوا إلى المياه الدافئة بكل ذكاء وكياسة .... وعن طريق من .. عن طريق مصر عبد الناصر ، وهو تجاوز لا يتحمله " تمبلر " ولا أسياده من زعماء الغرب ، إذن فضرب مصر وإنهاء هذه الزعامة العربية قرار يجب أن يتخذ وبسرعة مهما كانت الذرائع .
خامساًً : انضمامه لحركة عدم الانحياز :
كان الزعيم الراحل أبرز الزعماء الذين شاركوا في مؤتمر عدم الإنحياز في باندونج في أندونيسيا للدول الأفروآسيوية ، في نيسان 1955 ، واشتركت فيه 27 دولة مستقلة ، وكان من أهم قراراته :
1- التعاون الاقتصادي والتجاري والاجتماعي بين بلدان الكتلة الآسيوية الأفريقية .
2- الاعتراف بحق تقرير المصير ، وتأييد قضية الحرية والاستقلال للشعوب التابعة .
3- استنكار استعمار الشعوب ، ونبذ سياسة القوة كوسيلة لحل المشاكل الدولية .
4- المناداة بالسلام والتعاون العالمي في نطاق الأمم المتحدة .
5- الاعتراف بحق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم.
6- وجوب نزع السلاح كضرورة حتمية لصيانة السلام ( 41 )
( إن العصر الذهبي لحركة عدم الانحياز هو دون أدنى مبالغة التجسيد الحقيقي لدور جمال عبد الناصر الدولي ، صحيح انه لم يكن صاحب فكرتها ، ولكنه كان باليقين مصدر ديناميكيتها ، ونقطة البداية للحركة الدولية لعدم الانحياز هي من مؤتمر بريوني في 18 يوليو 1956 بين جمال عبدالناصر وتيتو ونهرو ) (42)
وبناء عليه فإنا لا نستغرب قول دالاس عن حلف بغداد " وسوف يبين هذا آننا نبني حلف بغداد ليس فقط ليكون منظمة دفاعية ضد الاتحاد السوفييتي ، بل أيضاً كحلف اقتصادي ضد مصر " .(43)
إن الغرب الذي كان قد عقد الآمال على الأحلاف التي راح يؤسسها في بلاد المشرق قد بدأ يرى أن أحلامه الوردية هذه في خطر ، فعبد الناصر ليس فقط عدواً لما يبنون ، بل يضع يده في يد السوفييت – عدوهم الأول – وهذا التفاهم يعرض مواقعهم الاستراتيجية ومصالحهم السياسية والاقتصادية للخطر ، والرجل - كما تثبت كل المعطيات - واقف ثابت لا يتزعزع ، ومصمم على المواجهة والتحدي ، فلم يبق من حل لمعضلته سوى الغزو العسكري بعد فشل سياسة الاحتواء .
سادساً : دعمه ثورة الجزائر :
كان وقوف عبد الناصر مع ثورة الجزائر السبب وراء مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي ، ولم ينكر ناصر دعمه لثورة الجزائر لتنال استقلالها .
فقد اجتمع يوم 12 آذار1956 مع وزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو في القاهرة ، وأثار بينو موضوع الجزائر والدعم المصري لها ، فرد ناصر بأن مساعدة مصر لها التزام مبدئي بمساعدة الثوار الجزائريين ، ليكون ذلك الاجتماع الأول والأخير مع المسؤولين الفرنسيين ، ولتزيد فرنسا شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ، ولتزيد مساعدات مصر للثورة الجزائرية !
" ويصرح شمعون بيريز في مذكراته : في ربيع سنة 1956 كانت المشاعر معبأة بشدة ضد عبد الناصر ، في باريس ، وذات يوم اخرج لي جي موليه – رئيس الوزراء الفرنسي- من درج مكتبه نسخة من كتاب ناصر الذي صدر بعنوان فلسفة الثورة ، وقال لي : نحن وأنتم أمام هتلرجديد في العالم العربي والإسلامي ، ولا بد أن نضرب مخططاته ، وإلا فاتتنا الفرصة كما فاتتنا حين لم نفهم مقاصد هتلر في كتابه كفاحي " (44)
وكانت القيادة العسكرية الفرنسية مقتنعة تماماً أن تصفية القيادة الثورية في القاهرة يجب أن تسبق تصفية الثورة الجزائرية ، وذلك اقتناعاً منهم بأهمية مساعدات مصر للثورة هناك .(45)
وكم كان جي موليه واضحاً وصريحاً حين قال : لو رفع ناصر يده عن ثورة الجزائر لقضينا عليها في أربع وعشرين ساعة .
وإذا عدنا إلى ثورة يوليو ومبادئها الستة الشهيرة نقرأ عذر فرنسا وبريطانيا واضحاً لغزو مصر، وهي :
1-القضاء على الاستعمار وأعوانه الخونة .
2-القضاء على الإقطاع .
3- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .
4- إقامة عدالة اجتماعية .
5- إقامة جيش قوي .
6- إقامة حياة ديمقراطية سليمة .(46)
إذن فالثورة في مبدأها الأول وبدون مواربة أو غموض تهدف إلى القضاء على الاستعمار وأعوانه الخونة ، أو لم يكن هذا الوضوح كافياً لتتحد الدول الثلاث ضد الثورة وزعيمها الخالد ، ودارس مسار ناصر وثورته في الأعوام اللاحقة يجد كم كانت هذه الثورة الفتية ملتزمة بما نصت عليه مبادؤها الستة ، وكم كلف ذلك ناصر ومصر من الأعباء الجسام دعماً لدول العروبة والإسلام ، ولكل الأحرار في العالم ضد الإمبريالية والقوى الرجعية وأذناب الاستعمار .
ويؤكد الزعيم الراحل عبد الناصر بعض ما ذهبت إليه ، فيقول في كتابه " فلسفة الثورة " :
" وحين أحاول أن أحلل عناصر قوتنا لا أجد مفراً من أن أضع ثلاثة مصادر بارزة من مصادرها يجب أن تكون أول ما يدخل في الحساب :
أول هذه المصادر أننا مجموعة من الشعوب المتجاورة المترابطة بكل رباط مادي ومعنوي يمكن أن يربط مجموعة من الشعوب ، وأن لشعوبنا خصائص ومقومات وحضارة انبعثت في جوها الأديان السماوية المقدسة الثلاثة ، ولا يمكن إغفالها في محاولة بناء عالم مستقر يسوده السلام .
هذا هو المصدر الأول
أما المصدر الثاني فهو أرضنا نفسها ومكانها على خريطة العالم ، ذلك الموقع الاستراتيجي الهام الذي يعتبر ملتقى طرق العالم ومعبر تجارته وممر جيوشه .
يبقى المصدر الثالث : البترول الذي يعتبر عصب الحضارة المادية والذي بدونه تستحيل كل أدواتها – المصانع الهائلة الكبيرة لكافة أنواع الإنتاج ، وسائل المواصلات ، أسلحة الحرب ... – تستحيل كلها قطعاً من الحديد يعلوها الصدأ "
ويؤكد ناصر في كتابه " فلسفة الثورة " الذي ألفه عام 1953 قوة الأمة بأسلوب واضح وسهل ، ويقسمها إلى دوائر :
" الدائرة الأولى التي لا مفر من أن ندور عليها وان نحاول الحركة فيها بكل طاقتنا ، وهي الدائرة العربية .
الدائرة الثانية : القارة الإفريقية : لن نستطيع بحال من الأحوال أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف الذي يدور اليوم في أعماق إفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومئتي مليون من الإفريقيين ، لا نستطيع لسبب هام وبديهي ، هو أننا في إفريقيا .
الدائرة الثالثة : التي تمتد عبر قارات ومحيطات ، والتي قلت أنها دائرة إخوان العقيدة الذين يتوجهون معنا أينما كان مكانهم تحت الشمس إلى قبلة واحدة ، وتهمس شفاههم الخاشعة بنفس الصلوات . .. حين أسرح بخيالي إلى هذه المئات من الملايين الذين تجمعهم عقيدة واحدة ، أخرج بإحساس كبير بالإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يحققها هؤلاء المسلمين جميعاً "(47)
ويؤكد هذا الهدف من أهداف الغزو شهادة الكاتب الإسرائيلي مردخاي بارأون الذي يقول " لقد كان الإسرائيليون يتطلعون إلى الحصول على إنجازات سياسية إضافة إلى الإنجازات الجغرافية المشار إليها ، فقد كانوا يأملون في أن يؤدي إيقاع هزيمة ساحقة بمصر إلى تقويض زعامة عبد الناصر وثقته الشخصية بنفسه ، ويساعد في إحياء قوة الردع الإسرائيلية " (48)
وننهي هذا الفصل بقول لبن غوريون مخاطباً رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي موشيه دايان " إن الدخول إلى سيناء قد لا يكون كافياً ، ذلك انه بدون القضاء على " الطاغية" في القاهرة فإن أي انتصار عسكري في سيناء لا قيمة له ، لأن الصراع سوف يستمر ، والأمن لن يتحقق " (49)

الصفحات