كتاب "حرب السويس وشروق شمس الناصرية " ، تأليف نواف نصار ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب حرب السويس وشروق شمس الناصرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حرب السويس وشروق شمس الناصرية
نابليون يحلم بالقناة
ولما وصل نابليون إلى مصر عام 1798 ، كان قد استقدم معه جماعة كبيرة من المهندسين والعلماء والفنيين برئاسة المهندس " ليبير" الذي كلفه نابليون بدراسة إمكانية حفر برزخ يخلق ممراً إلى الهند ، وورد في تقرير ليبير عن المشروع ما يظهر حنكته وحسن اطلاعه ، إذ قال :
" إن تفوق مصر الذي حبته بها الطبيعة قابل للزيادة إذا استطاعت الحكومة الأوروبية التي تستعمرها أن تشق القناة التي لا ينازع أحد في مزاياها والتي اهتمت بمشروعها العظيم كل دولة كانت لها على مصر سيادة ... ولا محل للقياس بين منافع الطريق المائي وطريق البر ،وإذا لوحظ أن الجزء المقترح حفره هو أقصر مسافة بين النيل والبحر الأحمر تحققت أهمية المشروع الذي سيفيد الحجاج المسافرين إلى مكة أو إلى دمشق ومنه إلى أواسط آسيا ، ولا يبقى ثمة محل للقوافل التي تسير بين قنا والقصير ، والنتيجة الأهم من كل هذا طريق رأس الرجاء الصالح ، وسيكون احتكار هذا الطريق سهلاً للدولة التي تستولي على مصر " ( 7 )
وفي عام 1833 أوفد الفرنسيون إلى محمد علي بعثة اسمها جماعة سان سيمونيان يرأسها قس اسمه انفنتان ، وكانت غايتها الإعداد لمشروع حفر قناة السويس ، وقد اقامت البعثة أربع سنوات في ضيافة محمد علي ثم عادت على فرنسا .
وفي عام 1846 كون انفنتان جمعية أطلق عليها اسم " جمعية الدراسات الخاصة بقناة السويس " ، وقد نجحت هذه الجمعية التي اشترك فيها انجليز وألمان في بلورة المشروع ، وتوصلوا إلى تصحيح الخطأ القائل أن مياه البحر الأحمر ترتفع عن سطح البحر الأبيض بعشرة أمتار ، لذا صار تنفيذ المشروع ممكناً علمياً لعمل أبحاث خاصة بالقناة وشقها ، إلا أن محمد علي كان أذكى من ورثته ، فقد رفض المشروع الفرنسي ، وطلب أن تشرف الحكومة المصرية عليه وبتمويلها ، كما اشترط حياد مصر وعدم تدخل الدول الكبرى فيه ، وينسب عنه انه قال " لا أريد في مصر بسفوراً آخر " ، أي أنه لا يريد فتح بوابة للدول الأوروبية للهجوم على بلاده .
وفي عام 1856 تم إنشاء خط حديدي بين الإسكندرية والقاهرة ، ومع أن هذا الخط كان خطوة متميزة للبلاد وللتجارة ، إلا انه لم يغن عن القناة التي تريح التجار والشركات من تفريغ البضائع وإعادة شحنها عبر البحر الأحمر إلى أسواقها في الهند ودول المشرق .( 8 )
ظهور فرديناند ديلسبس ( 1805- 1894)
ولد فرديناند ديلسبس في مدينة فرساي في فرنسا عام 1805 ، وقد ألحقه والده – صاحب الحظوة عند نابليون - بوزارة الخارجية عام 1825 بدون حصوله على الشهادة الثانوية ، ووصل إلى منصب نائب القنصل الفرنسي في مصر عام 1832 ، وتمكن من خلال وظيفته هذه أن يتعرف بمحمد سعيد بن محمد علي باشا ، وكان غلاماً في الثالثة عشرة من عمره ، وكان بديناً مترهل الجسد ، وأمارات الغباء والغفلة بادية عليه ، فتسلمه من أبيه ليعالج بدانته ، ويدربه على الرياضة ، ولكنه بدلاً من ذلك أقام له الحفلات والليالي الحمراء بالقنصلية الفرنسية ، وفي هذه البيئة أشبع غرائز سعيد ، وتسـلط علـيه منذ نـشأته كـما يتــسلط المنوم المغناطيـسي على وسيطه "( 9 )
بعد طرده من العمل الدبلوماسي ، تفرغ ديلسبس لدراسة مشروع شق قناة لربط البحرين الأحمر والأبيض ، وقد وجد مادة كافية لما أراد في ما دونه علماء الحملة الفرنسية على مصر في كتاب " وصف مصر" ، وفي أبحاث لوبير والسان سيمونيين .
وبعد اغتيال عباس الأول في تموز عام 1854 وتولي حكم مصر الأمير محمد سعيد ، سارع ديلسبس إلى الاتصال بجمعية الدراسات الخاصة بالقناة وحصل منها على توكيل للعمل باسمها في مشروعه الحلم ، ولكنه لما حصل على الموافقة ، جعل الامتياز لنفسه !
وفي أواخر عام 1854 كان ديلسبس – بكل ما يملكه من مواهب وخبث وحيل – قد سيطر على شخصية والي مصر محمد سعيد باشا ، فانتزع منه الموافقة على شق قناة السويس ، فاصدر محمد سعيد فرماناُ بذلك .( 10)
فرمان الامتياز الأول 30 نوفمبر 1854
نص هذا الفرمان التاريخي على منح ديلسبس امتياز استغلال القناة مدة 99عاماً .( وبما أن افتتاح القناة كان في 17نوفمبرعام 1869 فإن هذا الامتياز ينتهي في17 نوفمبر عام 1968 ) وينص على ( 11)
1- يمنحه جميع الأراضي اللازمة لشق القناة البحرية وقناة المياه العذبة .
2- يعطيه الحق في زراعة تلك الراضي واستغلالها .
3- يملكه مياه النيل وله الحق في بيعها للفلاحين .
4- يعطيه الحق في استخراج جميع المواد اللازمة لأعمال القناة والمنشآت التابعة لها ، كالمحاجر والمناجم الداخلة في الأملاك العامة .
5- إعفاء كافة المهمات المستوردة من الخارج لصالح المشروع من الرسوم والجمارك .
6- إمداده بما يلزم من المهندسين والموظفين والعمال .
7- له الحق في وضع لوائح تقوم مقام القوانين في منطقة نفوذ الشركة .
فرمان الامتياز الثاني 5 يناير 1856
ومن أهم بنوده التي عددها خمسة وسبعون بنداً :
1- تقوم الشركة بمصاريف من طرفها خاصة ، وتحت مسئوليتها بجميع الأشغال والمباني اللازمة لإنشاء القناة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط .
2- أعطى الامتياز للشركة سلطة واسعة ، فأجاز لها أن تتعاقد مع الغير بلا رقيب ولا معقب عليها ، فيجوز لها أن تقوم بالأعمال المكلفة بها إما بمعرفتها هي وبطريق الاحتكار ، وإما بواسطة مقاولين من طريق المناقصات والصفقات ، أو بالممارسة ، وفي جميع الحالات يجب أن يكون أربعة أخماس العمال الذين يقومون بهذا العمل على الأقل من المصريين .
وقد جعل هذا البند من الشركة دولة داخل الدولة ، فبدلاً من أن تكون الأيدي العاملة من المصريين ، أشهرت الشركة هذا البند بشكل مخالف تماماً ليكون استخدام العمال بالسخرة ، ولما حاول الخديوي إسماعيل أن يقضي على نظام السخرة كلف ذلك الدولة تعويضاً جسيماً .
3- يصير حفر القناة المخصصة للملاحة البحرية الكبرى بالعمق والعرض اللذين حددتهما اللجنة العلمية الدولية ( وهي التي استحضرها ديلسبس ) .
4- تترك الحكومة المصرية للشركة حق استغلال جميع الأراضي اللازمة لذلك ، والتي لا تكون مملوكة للأفراد ، وذلك بدون أن تدفع الشركة عنها أية ضرائب أو أتاوات .
5- تسلم الحكومة المصرية عند الاقتضاء للشركة الأراضي المملوكة للأفراد والتي تكون هناك ضرورة لحيازتها على أن تدفع الشركة تعويضات لأصحابها .
6- تعطي الحكومة المصرية للشركة صاحبة الامتياز ولطول مدة هذا الامتياز الحق في استخراج جميع المواد اللازمة لأعمال البناء ، والمحافظة على المباني والمنشآت التابعة للمشروع من المناجم والمحاجر المملوكة للدولة وذلك بدون أن تدفع أية ضريبة أو رسم أو تعويض .
7- لأجل تعويض الشركة عن نفقات البناء والصيانة والاستغلال التي نص الفرمان الحالي على أن تكون على عاتقها وحدها ، يسمح لها وطوال مدة استغلالها أن تفرض رسوماً وتحصلها على الملاحة وإرشاد السفن ، وسحبها وجرها ، ووقوفها عند مرورها في القنوات والموانىء التابعة لها.
8- تحصل الحكومة المصرية على 15% من صافي الأرباح سنوياً .
9- المنازعات التي تنشأ بين الشركاء يفصل فيها محكمون يعينهم أطراف الخصومة ، ويرفع الاستئناف عن أحكام هؤلاء المحكمين أمام محكمة استئناف باريس . (وبذلك أخرج الشركة من ولاية القضاء المصري) .
10- اللغات المستعملة في أوراق أسهم الشركة وسنداتها هي : التركية والألمانية والإنجليزية والفرنسية .( 12 )
الأسهم
وطرح ديلسبس اسهم الشركة للاكتتاب في 5 تشرين ثان 1858 ، وضمت قائمتهم :
فرنسا 207111سهماً
بلجيكا 324 سهماً
الدنمارك 7 أسهم
نابولي 97 سهماً
الإمبراطورية العثمانية 96517 سهماً
إسبانيا 4046سهماً
روما 54 سهما
الأراضي المنخفضة 2615 سهماً
البرتغال 5 أسهم
بروسيا 15 سهماً
تونس 1714 سهماً
بيمونت 1353 سهماً
سويسرة 460 سهماً
توسكانيا 176 سهماً
ولما بارت الأسهم التي خصصها ديلسبس لرعايا انجلترا والنمسا وروسيا والولايات المتــحدة ليضمن تأيــيدها ، ولـم يـخطر في باله أن يعطي
مصر شيئاً ، سارع إلى بيعها لصديقه الخديوي سعيد ، وكان عددها 85506سهماً ! وقد استدانت مصر من أجل شراء أسهمها مبلغ 1080000جنيه وبفائدة باهظة ، وبذلك امتلكت مصر 44% من اسهم شركة القناة البالغ عددها أربعمائة ألف سهم .( 13 )
الشروع في حفر القناة
الإثنين 25 إبريل 1859