كتاب "دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر " ، تأليف د. محمد علي داهش ، والذي صدر عن دار مركز الكتاب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ان الاتجاه الوحدوي في فكر ونشاطات حزب (النجم) داخل الجزائر يبدو وضوحاً في مرحلة الثلاثينات، حيث دعا إلى «وحدة المغرب العربي»(51) ، وأكد على وحدة النضال المغاربي ضد السياسة الاستعمارية الفرنسية بتنظيم مظاهرات كبيرة تضامناً مع الشعب التونسي وحزبه الحزبالحر الدستوري عام 1934، وفي تقديم برنامج «المطالب المستعجلة» لحكومة الجبهة الشعبية في باريس عام 1937، حيث طالب فيها بحقوق الشعب في المغرب العربي في المجالات كافة وتضامنت معه لجنة الدفاع عن الحريات في تونس ولجنة الدفاع عن المصالح في المغرب(52) وواصلالحزب نشاطه باسم «حزب الشعب» منذ عام 1937، واتخذ من بعض الواجهات الثقافية / الاجتماعية (جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين) (53) مجالاً لنشاطه الفكري وأسلوب عمله حيث عبرت هذه الواجهة الطلابية المغاربية التشكل الاجتماعي والأفكار والأهداف الإقليمية والعربية والإسلامية، التي ظهرت منذ بداية الثلاثينات عن أفكار وتوجهات وحدوية مغاربية عربية إسلامية.
أما في تونس، وعلى الرغم من طغيان الهم الوطني (القطري) على الحزب الحر الدستوري التونسي، إلا أن مواقفه لم تكن تخلو من اتجاهات وحدوية مغاربية، فقد حاول عبد العزيز الثعالبي زعيم الحزب ان يوحد جهوده مع حزب الإصلاح الجزائري الذي كان يتزعمه الأمير خالد الجزائري في مطلع العشرينيات وان يعمل الاثنان على «إتباع خطة منسقة في النضال والعمل من أجل تحرير هذين البلدين العربيين»(54). ومن ناحية أخرى، لم يكن الانشغال بالقضية الوطنية التونسية يمنع الحزب الحر الدستوري بفرعيه القديم بزعامة الثعالبي، والجديد بزعامة الحبيب بو رقيبة، من تأطير النضال بالبعد المغاربي في مرحلة الثلاثينات، إذ كان البعد المغاربي واضحاً في سلوك فرعا الحزب تجاه قضايا النضال في المغرب العربي عموماً. فقد نظم الحزب في 20 تشرين الثاني 1937 إضراباً تضامنياً مع أبناء الجزائر والمغرب في نضالهما ضد سياسة القمع والاعتقال والنفي التي اتبعتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بحق قيادة القوى الوطنية وقواعدها. وفي هذا المجال كان للموقف التونسي تقديره العالي من لدن القيادات الوطنية الجزائرية، ووجه عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رسالة تهنئة وإكبار للموقف التونسي شاكراً لهم «هذه البادرة الطيبة التي تتجلى بها الروح العربية والأهداف القومية الموحدة»(55).
إن الاتجاه السياسي الوحدوي في النضال الشعبي المغاربي يبدو أكثر وضوحاً في مرحلة الثلاثينات، إذ كانت القوى السياسية الوطنية تتخذ مواقف التضامن والشجب والتنديد بسياسة المستعمر في كل مناسبة عندما يتعرض هذا القطر المغاربي أو ذاك لأزمة داخلية من جراء السياسة الاستعمارية الفرنسية. فعندما أصدرت فرنسا «الظهير البربري» في المغرب في 16 أيار 1930، والذي حاولت من خلاله فصل العرب عن البربر دينياً ولغوياً وثقافياً واجتماعياً، كان لتلك السياسة أثرها في تصاعد الغضب الشعبي المغاربي والعربي، وحتى في بعض دول العالم الإسلامي،فلقد كان «كل حادث له نوع من الأهمية في أحد أقطار شمال إفريقيا ـ المغرب العربي ـ يجد حالاً في القطرين الآخرين انعكاساً فورياً ورد فعل تلقائي»(56). ولم تكن كتلة العمل الوطني في المغرب الخاضع للاحتلال الثنائي الفرنسي (الجنوب) والإسباني (الشمال) بمعزل عن هذا الاتجاه السياسي الوحدوي الإقليمي والعربي والذي بدا أكثر وضوحاً في النصف الثاني من ثلاثينات القرن العشرين، وفي منطقة النفوذ الإسباني في الشمال المغربي، حيث أكد حزب الإصلاح الوطني عام 1936 على ربط الصلة بين أقطار المغرب العربي والأقطار العربية الإسلامية عن طريق توحيدالتعليم في المغرب العربي(57)، فيما دعا حزب الوحدة المغربية في العام 1937 إلى وحدة المغرب العربي، وإلى ربط المغرب بالوطن العربي بوصفه جزء من الأمة العربية، وأكد الحزب تضامنه مع الأحزاب العربية في مقاومة الخطر الاستعماري المشترك «بجميع وجوه التضامن»(58).وقد كان لحملات القمع والاعتقال والنفي بحق قيادة الحركة الوطنية المغربية وقواعدها، وتضامن أبناء تونس والجزائر معهم أثره في الدعوة إلى تشكيل جبهة واحدة للدفاع عن مصالح المغرب العربي ضد الجبهة الاستعمارية(59).
يتضح على ضوء ما ورد آنفاً، ان الدعوة للوحدة في فكر ونشاطات ومواقف الاتجاه السياسي بقيت محصورة في إطار الفكرة و(الأمنيات) وان تخلل ذلك مواقف تضامنية حقيقية في مرحلة الثلاثينات خاصة. إن الفكرة الوحدوية واتجاهها السياسي لم تصل إلى مرحلة الجهد المنظم والموحد ضمن إطار جبهوي مغاربي أو تنظيم سياسي موحد يعمل على الساحة المغاربية ويقود النضال المغاربي نحو الهدف الواحد حيث الحرية والاستقلال والوحدة. واستمر ذلك الاتجاه حتى قيام الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) إذ بدأ الموقف الشعبي العام متجاوزاً لطروحات القوى السياسية في المطالبة بالإصلاحات (عدا حزب الشعب الجزائري) وأصبح مطلب (الاستقلال) هدفاً شعبياً عاماً داخل أقطار المغرب العربي، وقاد ذلك إلى اشتداد ساعد الحركات الوطنية والتصلب في مطاليبها الوطنية والانتقال من دعوات الإصلاح إلى العمل على تحقيق الحرية والاستقلال في السنتين الاخيرتين من الحرب في الداخل المغاربي، فيما ارتبطت قضية الحرية والاستقلال بالوحدة الاقليمية في إطارها العربي في خارج المغرب العربي.