أنت هنا

قراءة كتاب الاعمال الشعرية الكاملة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاعمال الشعرية الكاملة

الاعمال الشعرية الكاملة

كتاب " الاعمال الشعرية الكاملة " ، تأليف فوزية ابو خالد ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

أتذكر نساء لابسات رشارش تبرق من أعلى نحورهن إلى ما دون أسفل السرة، تتمايل كل منهن كموجة من ذهب تتكسر على رمال الصحراء وهن يرسلن شعورهن الطويلة المائجة إلى ما تحت الورك عن اليمين وعن اليسار على صوت دفوف تنهب الأفئدة·

أذكر انقطاع الكهرباء وشح الماء وقرب ومطارات الماء وقناديل الجاز تتدلى على خواصر صبايا مصابات بمس لا يتداوين منه إلا بالقرآن وعزايم الزعفران·

أذكر من تلك المرحلة ضحكة نور أمي ممزوجة بضحكة عمتي طرفة بجمالها الفتان المتخفي بـشيلتها المنخل السوداء المضمخة بالمشاط والحناء· وأذكر طلات عمتي موضي بجلال الصلاة مثل سنبلة تلبس تاجا وبياض خالتي خيرية المستكاوي ككمثرى حيية· يجلس على حافة المساء أولئك النسوة يتساقين الحكايات والدمع والأسرار التي عبثا يحاولن أن يخبئنها عن جدتي عائشة وجدتي سارة فيفضحهن الهمس وميراث النساء من حمولة الآلام والأحلام· وربما من ذلك المير اث المتأجج كتبتُ في ذكرى ميلادي الثالث عشر قصيدة من يقاسمني إرث أمي؟ التي نشرت بديواني الأول إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟؟؟ وكأني أبادل أمي وسواها ممن عرفت من نساء في طفولتي الأولى أنخاب الدخول إلى عالم الأنوثة··· · ·

فيما يلوح من شريط الأمس وكأنه التقط قبل ثواني بكاميرا رقمية وجه عبدالله أبي بقسماته السيفية الحادة ببشرته التمرية، بقامته الفارعة كسارية الرايات المنتصرة وصوته الرعدي الماطر وقد لوحته شمس الصحاري ومشاق أسفاره اللامنتهية وعمله وهو في الحادية عشر في رعي الإبل وتشغيل السواني مع خواله بكل ما في الحياة المنقسمة بين البداوة وبين الحضر من تركيب وبساطة ومن إئتلاف واختلاف وبكل ما ينضح عنهما من حنان وحزم أو رقة وقسوة أو تلقائية وتعقيد· فيبدو ذلك الفارس في حضوره وغيابه كحب عذري شغوف شفيف قريب بعيد لا أعرف بأي الكلمات يمكن أن أرسم تحرر روحه أو غلظة ورهافة طبعه اوكيف يمكن أن أعطي لمحة مجروحة عما تقسمناه معا في سخاء صمته وكلامه الكتوم من ملح وخبز الكتابة قبل أن أعرف أن هناك سحرا اسمه الشعر أو تهلكة اسمها الكتابة· فلأبي في كتابتي كما في حياتي ذلك الحضور الذي لم ولن يشفي غليل وجدي وعطشي من مناهله التي لم تتوقف لحظةعن التدفق بعد رحيله بأكثر من عشرين عام· كان؟؟؟؟

ولن أنسى أو أسمح بأن يُضيع تلاحق الأيام تلك الدائرة من الأطفال التي كانت تحف بسنواتي الأولى فتتشكل من أوقات اللعب معها بعض ملامح الأبجدية التي تعلمت الطيران بها بعد تلك المرحلة من طفولتي بسنوات عندما تعلمت التعلق برفيف القلم والأوراق· فهناك فوزية ومحمد أبناء صديقة أمي عواش التركي لزوجها عبدالله السليمان وهناك بنات الشلهوب فوزية ونوف وأولاد النجران/التويجري فوزية وبدرية ونورية وحميد ونوال، وأولاد جيراننا المدوح من الاحساء فوزية أيضا ونورة وحصة ونعيمة وعبدالله وعبداللطيف· وهناك فهد وموضي وخالد وسارة وسعد ونورة وهيوني/هيا أبناء عمى محمد وعمي عبدالعزيز وأبناء عماتي البندري وجهير وسارة وثاني ووسمية وأبناء وبنات خوالي وخالاتي هاشم وعبدالإله وحسن وفايقة ونوال ومها وملاك وراية وسرة وآمنة وخديجة وفوزية أيضا وأيضا وأيضا· فيبدو أن طفولتي كانت محاطة بالفوزيات وذلك الأسم الفوزي في محيط الأسرة والجيرة والمجتمع في تلك المرحلة لبنات جيلي حكاية بحد ذاتها ربما ليس مكانها هذا السياق·

وسواء كنتُ التقي بأوائل الإصدقاء في صيفيات طفولتي بين صخور الردف ورمال الحوية وشهقات الهدى والشفا وشهارو بساتين الفيصلية ووادي الوج والمثنى بالطائف أوكنت القاهم على اللعب بالرمل وعرايس القطن بباب بيتنا بالشميسي أو بيوت بعضهم في المربع وشارع الوشم والريل أو في رحلات البر بالرياض أو عند سواقي الخرج فقد كان كأن لعبنا ومشاغباتنا تدريبات أولية تسخينية للعبة الحرف التي كانت بانتظاري عندما أدركتني حرفة الكتابة فيما بعد بعيد وليس ببعيد عن ذلك التاريخ· بالظبط مثلما كانت مرحلة تخصيب لتطور وعي الطفولي بقيمة الصداقات·

لقد كانت تلك الصور العائلية أول حروف حفرت بها البوم الذاكرة الشخصية أو شريطها لتجربة الكتابة التي لا زلت أخوض غمارها كتلميذ غر تغمره الدهشة وولع الاكتشاف فلا يبالي بالعقوبات رغم ترويعها وقسوتها مما يترتب على مغامراته سواء فيما كتبته نثرا أو شعر· وليس في ذلك إيحاء ببطولة فردية أو بجرأة جمعية فنحن أفرادا ومجتمعا لانزال لم نتقن تلك الخبرات، بقدر ما فيه محاولة لقياس نسبة دم الغزلان في مياه الغدير في محاولة هروبها من قدر القنص لقدر الإنفلات في حرية الفلوات·

كانت خميرة الانتماء إلى المكان، إلى صوت المآذن ترتفع في اليوم خمس مرات إلى نداءات الباعة على بضائعهم إلى رنة فناجين القهوة المرة مبهرة بالهيل والزعفران أو بالذعة المسمار، إلى بيالات الزنجبيل والنعناع، إلى الشمس الصالية بالنهار والسماء الصافية بالليل وإلى برد المربعانية بالشتاء وسموم الهبوب بالصيف قد تمكنت مني قبل أن تلحق بي لعنة أو نعمة شلل الأطفال وترمي في دمي فيروس الأجنحة ربما كتعويض معنوي رباني عن صعوبة المشي التي بدأت أواجها قبل عمر المدرسة·

فلم تنتهي طفولتي الأولى إلا وقد دخلت طورا جديدا في العلاقة بالمكان والناس من خلال تجربة الرحيل· إذ لم يكن عاديا خاصة بالنسبة لأطفال ذلك الزمان تجريب الحنين للوطن والخروج إلى فضاءات أخرى·

فكانت رحلتي الأولى من الرياض إلى بيروت مع أهلي قبل الإلتحاق بالمدرسة بحثا عن علاج لشلل الأطفال كأنها تضرب لي موعدا مبكرا لآتي إلى تلك المدينة في رحلة ثانية كطالبة بالجامعة الأمريكية عندما كانت تلك المدينة وهي على شفا حرب ملاذا الكتاب العرب من كل مكان ومخبزا لكل كتابة جديدة· فهل كانت تفاصيل حياتي بمفاجأتها وفجائعها الغير متوقعة تأخذني من يدي لأكتب بيدي اللمسات الأولى على مستقبلي مع الكتابة؟

من قال أن الطفل يحتاج للغة ليستطيع أن يلعب مع الأطفال· في لبنان تنقلنا بين أحياء الدروز والشيعة والموارنة والسنة والأرمن والبوارته والجنوبيين والزغارته والحدشيتيه والشويرية فكانت تذوب غربتي بمجرد أن التقي أطفالا من عمري· بلبنان لعبت مع جابي وحسين ومارسيل وتريزا وإبراهيم ولوريت وعائشة وفيدا ورضا وليلى وسوسن ومحمد لعبة الإكس/ الزحفة ولعبة اللقيطة/طيري أو الحبشة ولعبة الغميضة ولم نتعب· أكلنا عروس الزيت والزعتر واللابريوش/ واطعمتهم الإقط والكليجة وحلاوة لدو ولم نختلف على المذاق·

وبقدر ماعلمتني رحلة لبنان الأولى تجربة الحنين إلى وطني بقدر مافتحت جوارحي على طاقات حب أخرى ومدت بصري لأرى العالم بعدة أطياف·

الصفحات