أنت هنا

قراءة كتاب الحركات الاسلامية في المغرب العربي المغرب _ تونس _ الجزائر دراسة لدورها السياسي في ظل التحولات الديمقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحركات الاسلامية في المغرب العربي المغرب _ تونس _ الجزائر دراسة لدورها السياسي في ظل التحولات الديمقراطية

الحركات الاسلامية في المغرب العربي المغرب _ تونس _ الجزائر دراسة لدورها السياسي في ظل التحولات الديمقراطية

كتاب " الحركات الاسلامية في المغرب العربي المغرب _ تونس _ الجزائر دراسة لدورها السياسي في ظل التحولات الديمقراطية " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

الحركات الاصولية

اطلق تعبير الاصوليه fundamentalism ([44]) على الاتجاهات الدينيه المسيحية المتشدده في مسائل العقيده والاخلاق ، والمصطلح هو امريكي غربي الاصل ارتبط وجوده بالتيارات البروتستانتيه المحافظه التي ظهرت في الولايات المتحدة الامريكيه في اربعينيات القرن التاسع عشر . يؤمن اتباع هذا الاتجاه بالعصمة الحرفيه للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد الذي قدم _ كما يرون _ حلولا لمجمل قضايا الحياة بما فيها الشؤون والقضايا السياسية ([45]) . وابتداء من منتصف القرن العشرين اصبحتالاصولية تعني انها خصم للحداثه ، ومدافعه عن البقاء على الاصول بتمامها وعلى العقيده والتراث الكنسي الكاثوليكي بكامله ([46]) .

أي ان الاصوليين بدأوايمثلون " اولئك الذين لايستطيعون التعامل مع التحديات الفكرية والنفسيه لـ (( الحداثه )) " ، لايقصد هنا الجانب العلمي التقني للحداثه هو الذي يتعارض مع الاصول الايمانيه للاصوليين وفقا لفهمهم اياها . وفي الاتجاه نفسه يذهب روجيه غارودي في تحديد المكونات الاساسية للاصوليه وهي : " رفض التكيف جمود معارض لكل نمو ، عوده الى الماضي ، انتساب الى التراث والجذور ، المحافظه وعدم التسامح ، التحجر المذهبي ، تصلب ، كفاح ، عناد " ([47]) .

منذ عام 1975 بدأت المحاولات لادخال هذا المصطلح على المجال الاسلامي وكانت جريدة ( اللوموند ) اول من استخدم ذلك في عددها الصادر في 6 كانون الاول 1978 ، في اشارة الى ( صحوة الاصولية الاسلامية ) . كما استخدمها ج . زيجلر في كتابه ( الاستيلاء على افريقيا ) قائلا ان " البنا هو زعيم حركة اصوليه دينيه " ([48]) .

لقد حاول الغرب توظيف هذا المفهوم _ الذي لايرتبط بخصائص الحركة الاسلامية وسماتها الذاتيه _ في الكثير من كتاباتهم ودراساتهم في محاولة لتشويه صورة الاسلام عامة والحركة الاسلامية بصوره خاصة . فغالبا ماتؤكد الدراسات الغربية على ان الجماعات الاصوليه الاسلامية تدعوا الى التشدد والتمسك بالقديم وترفض _ بل تعادي _ العلم والحداثه . هذا يعني ان ادخالها على الاسلام كان مقصودا ومستحدثا .

لم يحظ مفهوم الاصوليه بقبول الكثير من الكتاب لاسيما المسلمون منهم وفي هذا الصدد يقول السيد محمد حسين فضل الله ان الاصوليه " مفهوم غربي ينطلق من خلال الاصوليه المسيحيه التي كانت تتحرك على اساس الغاء الاخر ، وعلى اساس العنف ضد الاخر ، اننا لانتبنى مصطلح الاصوليه لان الاسلام ليس حركة عنف ضد الاخر ، وانما العنف يمثل محورا يتحرك فيه المسلمون في مواجهة القوى التي تريد ان تقهرهم او تلغي حريتهم ، وهكذا فأن الاسلام لايلغي الاخر ولكنه يحاور الاخر ، …. لكن التخطيط السياسي الغربي حاول ان يضع هذه الكلمه كعنوان للحركة الاسلامية "([49]) ويحدد السيد فضل الله الاسباب التي تدفع الغرب الى اضفاء هذه الكلمه على الحركات الاسلامية هو حتى يتمكنوا من عزل " الرأي العام عن التعاطف مع هذه الحركة ليعتبرها حركة عنف وارهاب والغاء للاخر وتجميدا له ، بأعتبار ان هؤلاء يريدون ان يعيدوا التأريخ الى الوراء ليفرضوا على الواقع المعاصر ماكان يعيشه الناس في عصر الجهل وما الى ذلك من التعابير والكلمات ، وهكذا فأن اعطاء الاصوليه عنوانا للحركة الاسلامية ينطلق من اساس محاصرة كل حركة وانتفاضه " ([50]) .

ينفي حسن الترابي ايضا صفة الاصوليه عن الحركات الاسلامية حيث يقول " لايوجد في الحقيقه مرادف لهذا التعبير في اللغات الاسلامية او في اللغة العربية بشكل خاص . فقد استخدم هذا المصطلح لوصف ظاهرة مسيحية حدثت في الغرب عقب الحرب ، وتتمثل بالنزعة الى التزام النص الحرفي للكتاب المقدس . اما في الاطار الاسلامي ، فأن هذه الحركة تشبه ، اكثر ماتشبه ، النهضة في اوربا ، كحركة تجديد ثقافي شامل تسعى في النهاية الى ان تترجم الى اصلاح اجتماعي فاعل ،…… وبالتالي فان هذا المصطلح تضليلي "([51]). وفي الاتجاه نفسه يذهب الدكتور اسبوزيتو الذي يرفض توظيف مفهوم الاصوليه ذي الاصول المسيحيه في الاسلام لانه وكما يقول يشوه الرؤيه الاسلامية ويفضي الى سوء فهم جدلية الفكر الاسلامي المعاصر في العالم الحديث الذي يرى فيه قدرته على استيعاب القوى الليبراليه والديمقراطية لانه فكر متفتح ومتقدم ([52]) .

على الرغم من الرفض لهذا المصطلح الا ان اللافت للنظر انه استخدم من بعض الكتاب العرب ومن المسلمين انفسهم . قد يكون ذلك عائدا الى عدم ادراك لحقيقة الطرح الغربي ، او ان مصطلح الاصوليه فهم بصورة اخرى غير التي اريد منها . فالاصوليه تعني لدى هؤلاء العودة الى الاصوليات والتمسك بالماضي واعادة اظهاره في قالب ديني ، فهي تلك الحركات التي تجعل من العقيدة والشعائر الاسلامية مرجعها العام ، منطلقه منها لعمل سياسي يهدف الى تغيير الاوضاع في البلدان الاسلامية لصالح تطبيق الشريعة الاسلامية ([53]) . والاصوليه وفق تصورهم هي حركة سلفيه تدعوا الى الرجوع الى المنابع الاسلامية الاولى بصفائها ونقائها وليس الرجوع الى الوراء والانغلاق والعزلة عن العالم كما فهمها الغرب في نظرته الى الاصولية الاسلامية . أي ان الاصوليه لاتعارض العصرنه والحداثه والتقدم ([54]) . ويرى هؤلاء ان وصف الاسلام بالاصوليه لايقلل من مكانة الاسلام عند المسلمين لان الاصوليه عندهم تعني التمسك بمبادئ وتعاليم الاسلام .

وفي هذا الاتجاه يذهب مصطفى محمود -كاتب وطبيب مصري- حيث يقول " ان كل مسلم حقيقي …اصولي " ([55]) . ان هذا الخلط في استخدام المفاهيم لايعبر الا عن وجود ازمة حقيقية يواجهها المسلمون في فهم الاصوليه والاصوليين والا كيف نطلق كلمة الاصولية ، التي تعني اولئك الذين يقاومون التقدم والحداثة على كل مسلم تقي يعرف دينه ويلتزم بتعاليه . هذه العبارة التي اطلقها مصطفى محمود هي دليل على ان هناك عدم دراية او معرفة كافيه بالدين الاسلامي وجوهره.

كما جرى استخدام المصطلح من كتاب اخريين على الرغم من ادراكهم المعنى الحقيقي للاصوليه منطلقين من فكرة ان مفهوم الاصوليه مصطلح له "طابع عام وكونه وصف او فسر ظاهرة خاصة في وقت ما ومكان معين لايعني عدم احتوائه على عناصر لها صفة العموميه ، وبالتالي يمكن سحبه على حالات متقاربة او متشابهة ، قد لاتكون متطابقه كوقع الحافز " ([56]) . فالاصوليه عند حيدر ابراهيم علي مثلا تعني " رؤيه للعالم تقف ضد العقلانيه العلمانيه ، وضد الميل الى النسبيه والتسامح الديني وقبول الاخر المختلف ، كما ترفض الفرديه والحداثه ، وتصدر هذه الرؤيه من الايمان المطلق بان الدين (( النقي )) يحمل للانسان الوعود والامل بحل جميع مشكلاته الخاصه والعامه ، ويقود الى السعاده في الدنيا والاخرة فالاصوليه ترفض دور الانسان والعقل في صنع التاريخ ، لان الدين يعطي الحقيقه المطلقه المقدسه من دون أي تدخل انساني الا بمقدار مايحقق المشيئه الالهيه ([57]) . على الرغم من فهمه للمصطلح بهذا الشكل الا انه يؤكد انطباق معنى الاصوليه على الحركات الاسلامية . كما انه وان كان يقر بان الحركات الاسلامية تسعى جاهدة لتأكيد عصريتها ومواكبتها الواقع الا ان ذلك وكما يقول لايمنع من ان الحركات الاسلامية هي اصوليه فكرا وممارسة وهذه نقطه اختلافها وتمايزها مع الاخرين والتي تحاول كثيرا طمسها في مواقف الدفاع عن الذات ([58]) .

في ضوء ذلك لايمكن ان تطلق صفة الاصولية على كل الحركات الاسلامية المعاصره . صحيح ان هذه الحركات تجعل من الرجوع الى مبادئ وقيم الدين الاسلامي هو العامل المحرك الاساس لها، الا ان هذا الرجوع لاينتج اصوليه بالشكل الذي يطرحه الغرب وهو المفهوم المرادف للتخلف وعدم مواكبة العصر والتأخر عن ركب الحضارة وانما هو عمليه تجديديه أي عملية ينبثق عنها منهج متجدد في التعامل مع الواقع تتصف بالنشاط والمرونه وقدرة جديده على مواجهة التحديات وهذا مايؤكده حتى المؤيدون لمصطلح الاصوليه بمفهومه الغربي كما لاحظنا في كلام حيدر ابراهيم علي .

الصفحات