أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

كتاب " السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي " ، تأليف د.سلمان داود سلوم العزاوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

وان الاستنتاج الذي نستخلصه مما تقدم هو تأثر مضامين الخطاب السياسي الامريكي بطبيعة عناصر التكوين وبالعوامل المؤثرة فيه ، التي تتغير على وفق المصالح القومية الامريكية الستراتيجية وعلى وفق تغير الظروف الدولية ،فلو تصفحنا تاريخ الولايات المتحدة الامريكية لوجدنا ان جل اهتمام ساسة البلاد الاوائل كان مرتبطاً بترتيب البيت الامريكي حيث بين (بيتر ماكرات) في مقالته(القوة العظمى الوحيدة) ان اتجاه العزلة كان الغالب على السياسة الامريكية لكونه منغرس في الطبيعة النفسية الامريكية التي تعود الى اول رئيس امريكي (جورج واشنطن) عندما حذر من تورط امريكا في السير مع شبكات الارتباط الاجنبية ([55])،وجاء الرئيس (مونرو) ليكرس تلك السياسة من خلال مبدئه المعروف باسمه الذي اطلقه في ك1 1823م القاضي بعدم تدخل الولايات المتحدة في شؤون الدول الاخرى ليكون الاتجاه السائد في الدراسات السياسية بان أمريكا كانت تعيش عزلة سياسية ([56]) ، فالولايات المتحدة كانت حينئذ جمهورية جديدة وضعيفة ([57]) . ومع ذلك فانها حاولت دائما ان تفسر علاقاتها مع بقية اجزاء العالم على صورة مبادئ ايديولوجية فتتخظى المصالح العسكرية والاقتصادية الضيقة وذلك لتنامي الشعور بأن لأمريكا دوراً مهماً في منح العالم نموذج لمجتمع تسوده الرفاهية ، وان انتشار الحضارة الامريكية في الخارج هو التبرير الاسمى لنقل ذلك النموذج الى بقية ارجاء الارض ([58]) فالامريكان الاوائل كانوا يزعمون انهم يحملون رسالة الحرية الانسانية التي ستمتد الى العالم اجمع . وهذا ما عبرعنه الرئيس الامريكي الثالث (توماس جيفرسون) في ان امريكا ستصبح " اثرا شامخا ومثالا – سيحسن حياة الانسان في جزء كبير من الكرة الارضية "([59]) ، وهذا ما يفسر لنا تدخل الولايات المتحدة في المغامرات الخارجية بحثا عن مزيد من الاحترام والسلطة والقواعد والمواد الاولية ومزيد من الاسواق ([60]) .

وغلف الزعماء الامريكان طموحهم هذا بغطاء فكري ( ايديولوجي ) اذ اعلن الرئيس ( وليم ماكنلي) ان التدخل في كوبا عام 1898 جاء استجابة ( للضرورات الانسانية الكبرى )([61]) ومنذ ذلك الوقت تميز الخطاب الامريكي المعلن بدوره الانساني في تحقيق الامن الجماعي كما اعلن ذلك الرئيس ( وودور ويلسون ) مع تركيزه على اهمية المشاركة الفعلية وممارسته القيادة المعنوية بدلا من استخدام القوات العسكرية كاتجاه مؤيد للانعزالية ولكن ما ان انتهت الحرب العالمية الاولى حتى جاء مبدأ ( روزفلت ) الذي يدعو علنا الى اهمية خطاب القوة العسكرية في تطبيق السياسة الامريكية ، فالدخول في الحرب العالمية الثانية هو الخيار الذي سيحقق غايته ليصبح هذا المبدأ مركزاً ثابتا في التفكير الامريكي ([62]) ، في الوقت الذي كان فيه التيار الانعزالي لايزال يصر على ابتعاد امريكا عن سياسة التدخل الدولية والتفرغ للداخل لذا كان الخلاف حتى في اروقه الدوائر الامريكية المختصة حول شكل الخطاب السياسي الذي يجب ان تطل به امريكا على العالم فقد كشفت احدى الوثائق وهي دراسة تخطيط السياسة (23) التي كتبها كينان (Kennan ) عام 1948 احد مخططي السياسة الامريكية في وزارة الخارجية " نحن نملك 50% من ثروات العالم و3و6 % من سكانه فيجب ان نركز انتباهنا على اي مكان له صلة باهدافنا القومية المباشرة ويجب ان نتوقف في التحدث عن الغموض – والاهداف غير الحقيقية مثل حقوق الانسان ورفع مستوى المعيشة وغرس الديمقراطية ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي لابد لنا ان نتعامل فيه بمفاهيم القوة بشكل مباشر " ([63]) .

ويبين نعوم تشومسكي ان هذه الوثيقة كانت سرية للغاية ومن اجل تهدئة الناس العامة كان من الضروري الزعيق بالشعارات المثالية ( كما هو الحال الذي يجري بثبات الان ) والكلام للكاتب تشومسكي ، ولكن كان المخططون يحدثون بعضهم البعض في الدعوة الى تصعيد الهجمة وعدم التراخي امام الشيوعية طالما انهم يمتلكون مقومات النجاح ( [64]) .

الا ان البداية الفعلية لسياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية كانت مع ولاية الرئيس ( هارى ترومان ) وكانت سياسته تمثل مرحلة جديدة في السياسة الدولية اذ بدأت رحلة الصراع الستراتيجي مع السوفيت ايذانا بانطلاق الحرب الباردة التي تغير فيها الخطاب الامريكي ليرفع الشعار المعروف ان ( الروس قادمون ) في مواجهة انتشار الفكر الشيوعي ليكون مبررا لمنهج التدخل الامريكي في الشؤون الاقليمية من اجل فرض الهيمنة على مناطق العالم تطبيقا لمبدئه الذي يهدف الى تحجيم المد الاحمر وحصره في نطاق الدائرة الجغرافية للكتلة الشيوعية ([65]) .

وجاء تراجع القوى الغربية الكبرى المتمثلة ببريطانيا وفرنسا في الشرق الاوسط وفشل حلف بغداد بفعل حركات التحــرر سببا لجعل الرئيس (ايزنهاور) يبادر باعلان مبدئه في 5 / 1 / 1957 القائم على اساس سياسة ملأ الفراغ في الشرق الوسط عن طريق تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية الضخمة ( [66]) ، متخذا خطابا سياسيا موجها الى العالم اجمع يشير الى احترام الولايات المتحدة لتطلعات الامم في الحرية وحق تقرير المصير والدفاع عن الحدود السياسية القائمة على الشرعية الدولية واحترام السيادة الاقليمية وربطها بمفهوم السلم والاستقرار والنظر بعين الشك والريبة والعداء لمحاولات تغيير الحدود ([67])، متخذا من هذه المبادىء ذريعة للتدخل العسكري عند تعرض احدى دول الشرق الاوسط للخطر او للتهديد الشيوعي او عند تعرض احدى الدول المهمة بالنسبة للمصالح الامريكية الى ازمات داخلية تهدد كيانها السياسي([68]) وسار الرئيس (كندي) على سياسة سلفه نفسها مع التركيز على اهمية الدعوى الى الحرية والسلام الدوليين والربط بين قوة امريكا العسكرية التي ازدادت في وقته خمسة اضعاف ما كانت عليه وبين مبادئ الحرية والسلام ، وكان اول من رفع شعار رفض العنف مع السوفيت([69]).

الا ان هذا الاتجاه في السياسة الامريكية كان لا يروق لكثير من الساسة الامريكان حيث كانت هناك مطالبة باستنزاف القوة السوفيتية المتنامية من خلال اعتماد حرب العصابات([70])، وتصاعدت انذاك لهجة التلويح بالقوة ، بل وباستخدامها في مناطق متفرقة من العالم حماية حلفائها ، مما عرض السياسة الامريكية الى انتكاسة كبيرة وثبوت فشلها مما حدى بالرئيس (نكسون) الى الاتجاه نحو المفاوضات للتخلص من هذه الورطة التي ارتكبتها السياسة الامريكية وتحولت الى عقدة كبيرة القت بثقلها على البيت الابيض الذي لجا الى مبدا الاعتماد على الحلفاء المحليين ([(])،وتعزيز نفوذهم وتثبيت نظمهم السياسية من اجل حماية المصالح الامريكية ، حيث كان ذلك في وقته يمثل حلا مقنعا لازمة الخارجية الامريكية([71]) . ولكن بتسارع التطورات السياسية التي حدثت في العالم جعل من السياسة الامريكية امام انعطافات تاريخية كبيرة فاحداث مثل الغزو السوفيتي لافغانستان ، وتغيير النظام السياسي في ايران ، والتفاعلات السياسية في المنطقة العربية اثر اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني ، جعلت الادارة الامريكية امام مازق كبير ، الامر الذي ادى الى تغيير الخطاب السياسي الامريكي جذريا ، فمن الدعوة الى التفاوض ودعم الحلفاء الى الدعوة لزيادة القواعد العسكرية الامريكية في المناطق الحساسة من العالم على وفق مبدأ كارتر الذي يدعو كذلك الى انشاء قوات التدخل السريع وزيادة كفائتها القتالية لتكون قادرة على مواجهة اي خطر يهدد المصالح الامريكية ، والاعلان عن استعداد الولايات المتحدة لخوض حرب شاملة بالتحالف مع اوربا ضد الاتحاد السوفيتي ، كما كان هنالك في الوقت نفسه دعوات لتعميق الشعور بمسالة حقوق الانسان لابراز اهتمام الولايات المتحدة الامريكية بهذه القضية من خلال القيام بمبادرات متعددة الاطراف للتاثير في الحكومات الاخرى لاعطاء قيمة عالية لهذه الحقوق ([72]) ، من اجل تحسين صورة امريكا امام العالم ومن ثم حشد التاييد العالمي للوقوف بوجه ( الانظمة الدكتاتورية والشمولية ) وفق التسمية الامريكية ، وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي ،وعلى الرغم من ذلك تعرض الرئيس كارتر ومبادؤه الى انتقادات واسعة من قبل الساسة الامريكان ، الا ان ذلك لم يثن الرئيس اللاحق (ريغان) من عدّ مبادئ كارتر الاساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية الامريكية فقد احدث تطويراً لتلك المبادئ من خلال إيجاد قواعد دائمة للقوات الامريكة مما منح الولايات المتحدة صفة التفوق الدولي والزعامة المتقدمة ، وهي مسالة شعرت الادارة الامريكية باهمية تحقيقها والاعلان عنها لاعادة المصداقية بكونها امة عظمى فاعلة ومؤثرة في معادلات الصراع الدولي بمشاركة الدول الاوربية ([73]) ، التي اعتمدت طيلة الحرب الباردة على حماية الولايات المتحدة الامريكية لها، فضلا عن اعتمادها قرابة عقدين على الرأسمال الامريكي ، مما اتاح الفرصة لامريكا لفرض هيمنتها على تلك الدول ، التي بدات اثر بوادر انتهاء الحرب الباردة التخطيط للتخلص من براثن الهيمنة الامريكية وذلك لغياب الخطر العالمي الذي تحتمي منه بالولايات المتحدة التي كانت تتذرع به لبسط هيمنتها على الدول الحليفة كلها ، بالاضافة الى ان الولايات المتحدة لم تعد المصدر الرئيس للاستثمار الرأسمالي العالمي وذلك بفعل اشاعة مبادئ الاقتصاد الحر الذي تقوده امريكا بنفسها ([74]) . الذي كان احد نتائج التغيرات الهائلة اثر انهيار الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ايذانا ببزوغ مرحلة جديدة في النظام الدولي جعل السياسة الامريكية تنتقل من التركيز على احتواء وتحجيم الاتحاد السوفيتي الى الاهتمام بعناصر اخرى ([75]) ، تستطيع من خلالها الاستمرار في فرض هيمنتها على العالم في اطار خطاب شامل يتوخى البحث عن اعداء جدد لملء الفراغ الستراتيجي الذي خلقه تفكك الاتحاد السوفيتي([76]) .

وعبرت واشنطن في خطابها الرسمي عن رغبتها في جعل اوربا كياناً موحداً وقومياً بما يكفي لمشاركتها بمسؤليات واعباء زعامة العالم ، وفي الواقع ان الولايات المتحدة كانت على صعيد التطبيق اقل وضوحا واقل ثباتا ورغبة في مشاركة اوربا للتصدي للاعداء الجدد ([77])، ذلك لأن الولايات المتحدة إتخذت عدداً من الاغطية المثالية لتنفيذ سياساتها . وحرص الخطاب السياسي والاعلامي الامريكي على تقديم المفاهيم الامريكية الجديدة في السياسة الدولية بمضامين اخلاقية وقانونية ([78]) ، وهذا ما اشار اليه بريجنسكي بقوله " ان على الولايات المتحدة الامريكية (..........) ان تقدم للعالم اجمع نموذجاً كونياً للحداثة بمعنى نشر القيم والمبادئ الامريكية " وقبله الرئيس الامريكي نيكسون في كتابه ( نصر بلا حرب ) الذي دعا الى نشر "القيم الامريكية اذا ما ارادت الولايات المتحدة ان تكون زعيمة للعالم" ([79])وليس هناك شك في ان الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الان على وفق ما يزعم ( فوكو ياما ) اذ يقول "نحن الاقوى والاعظم .... انظروا الى الروس والشعوب الاخرى التي خلعت رداء الشيوعية وجاءت لتحتمي بنا ... بامريكا ، فالديمقراطية الغربية الحرة قد انتصرت وانتصر الغرب ولم يعد امام امريكا والغرب من جديد .لقد حدث هذا الجديد بانهيار الماركسية وتفكيك الاتحاد السوفيتي " ([80]) .

وباندلاع العدوان الثلاثيني ضد العراق بزعامة الولايات المتحدة ، الذي نتج عنه نسق كبير من المعطيات سواء ما يخص الشرق الاوسط او العالم باسره ويعد من ابرز تلك المعطيات المضي في مشروع التسوية العربية – الصهيونية وبناء مشروع الشرق اوسطية([81]) . فالواقع الدولي الراهن هو وضع جديد نتيجة التغيرات العميقة التي حدثت في العالم وان نهاية المجابهة بين الشرق والغرب وفقا للتصور الامريكي ستفتح الطريق امام اقامة نظام دولي جديد ([82]) ، حدد ملامحه الرئيس الامريكي الاسبق ( بوش الاب ) في خطابه السياسي امام الكونكرس الامريكي بتاريخ 11/9/1990 حيث وصفه ( بالحقبة الجديدة الخالية من التهديد باستخدام الارهاب .. اكثر قوة في متابعة العدل .. اكثر امن في السعي نحو السلام ... عهد يمكن الشرق والغرب والشمال والجنوب ان تزدهر في رخائها ومن العيش في تجانس ... اليوم يصارع النظام الدولي الجديد لكي يولد .. عالم مختلف عن الذي نعرفه ... سيبدل حكم الفوضى بحكم القانون عالم تدرك منه الامم المسؤولية المشتركة للحرب والعدل عالم يحترم فيه القوي حقوق الضعيف ))([83]) لقد اعطى النظام الدولي الجديد للولايات المتحدة الامريكية حقوقا لا يتوقف طرف في العالم ليسال نفسه او غيره عن اساسها او مصادرها فلها حق اخلاقي على البشرية كلها حيث تعد نفسها حكما ومرجعا في قضية حقوق الانسان ، ولها الحق في الاشراف على الاداء العالمي الاقتصادي ، وحق تكييف وتطبيق القانون الدولي وحماية الشرعية الدولية ، ولها الحق كذلك في استخدامها الترسانة الهائلة للاسلحة التي تمتلكها ابتداء باسلحة الحرب النفسية الى اسلحة الجو والصواريخ ([84]) ، في فرض هيمنتها على اولئك الخارجين عن الارادة الامريكية لان قدر امريكا ان تقود العالم في السنين القادمة ([85]) ، لذلك نجدها قد ربطت بين المعونات الاقتصادية واحترام حقوق الانسان كجزء من ممارساتها لتلك الحقوق التي منحها النظام الدولي الجديد لها ولهذا ستعمل على اجبار الحكومات لاجراء التحولات الديمقراطية في بلدانها وبعكسه ستحرم من تلك المعونات التي ستقتصر على الدول المطيعة في العالم الثالث([86]).فان الديمقراطية اصبحت قدراً محتوماً ستؤول اليه دول العالم جميعها ([87]) .

وان امريكا كما قال بوش الاب في رسالة موجهة الى الكونكرس في 17/1/1991 عشية العدوان على العراق لديها القدرة على القيادة الاخلاقية والوسائل الداعمة لها ([88]) ، وهذا ما يفسر تاكيد امريكا منطق القوة والتلويح بها كجزء من الوسائل الداعمة في فرض هيمنتها على العالم عبر استخدام القوة العسكرية والاليات الاقتصادية والثقافية لاجبار الدول على تبني وانتهاج النموذج الامريكي في ظل النظام الدولي الجديد ([89]) ، الذي يتميز بخطاب سياسي مؤدلج لا يمكن الفصل فيه بين مبادئ السياسة الخارجية الامريكية وبين المبادئ الاخلاقية التي يشارك الامريكان في بناء افكارها كما يقول الرئيس كلنتون ، كما يؤكد "عدم امكانية غض النظر عن الاسلوب الذي تعامل به الحكومات مواطنيها" لهذا يصر على ضرورة التوصل الى ما اسماه الامن العالمي من خلال دعم وتوسيع الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية والظاهرة الديمقراطية حيث يبين " ان الديمقراطية تقوم بمهمة افضل في حماية الاقليات العرقية والدينية وغيرها وان الانتخابات يمكن ان تساعد في حسم الحروب الاهلية المؤدية الى تجزئة الامم "([90]) .

كما تؤدي الى ضمان عيش الشعوب بحرية مع بعضها البعض بانسجام ، ومحاربة انتهاكات حقوق الانسان بعد ان كسرت العولمة والثورة التكنولوجية الحواجز السابقة الجغرافية والرقابية الرسمية ([91]) ، لكي ينعموا بالسعادة والتقدم والرفاه من خلال الاقتصاد والرأس مال الحر والانتقال المباشر الى اقتصاديات السوق في جميع انحاء العالم لانه بات مشروعا عالميا وفق المفاهيم الايديولوجية لليبرالية الجديدة ([92]) ، التي ستستخدم الولايات المتحدة هيمنتها من اجل تعميمها لاصلاح الاقتصاد والسياسات المالية للدول الحليفة لتحقيق اقتصاد السوق والقطاع العام الاقوى بغية زيادة الانفتاح الثقافي على الغرب في ظل العولمة التي اصبحت من اهم سمات النظام الامريكي العالمي وتصدرت خطابه السياسي([93]) ، اذ بين ( الان منيك ) الاقتصادي الفرنسي في كتابه ( العولمة السعيدة ) ان العولمة ليست خيرا او شرا في ذاتها ولا داع لوصفها بالوحشية او خلق الاجواء المقرفة حولها ، فهي لا تحدد الحريات الفردية او الجماعية بل على العكس فان الفهم الافضل لاليات العولمة ( Clobalism Micanisms ) سيجعل الجميع يجني اكبر المنافع والمعالم وذلك هو التحدي الذي على السلطة السياسية ان تواجهه دون تردد وإلا فان اي بلد يرفض العولمة سيكون مصيره السقوط لا محال ([94]) – على حد زعمه - .

لقد ارادت العولمة كما يرى الدكتور (رياض عزيز هادي) شمول حقوق الانسان بهذا المفهوم وحاول الغرب فرض ارادته على الاسرة الدولية في هذا الميدان واضفاء الصفة العالمية على ما يريده ، وان امريكا اصبحت تقدم نفسها كمنقذ للشعوب او الجماعات او الافراد التي تعاني من القمع والاضطهاد في العالم الثالث وكمدافع عن حقوق الاقليات القومية والدينية او اللغوية ([95]) . وهذا ما نلمسه من خلال وقائع السياسة الامريكية ومحاولات التدخل في شؤون دول العالم تحت ذرائع حماية حقوق الانسان التي لن تتوانى الولايات المتحدة من اتخاذ كافة الاجراءات الممكنة الاقتصادية والعسكرية في تنفيذ سياساتها التدخلية سواء أكان بمفردها او عن طريق الامم المتحدة بغية تحقيق هيمنتها على العالم ([96]) ، واظهار قوتها العسكرية المتنوعة التي يعدها الرئيس بوش الابن " ندا لكل متحد ومتفوقة على كل خصم " ([97]) ، كي يؤكد ضرورة شد العزم خلال الحقبة القادمة والعمل على تحديث تلك القوة من اجل " مواجهة مخاطر الارهاب والطغاة والدول المارقة " و " الوقوف بوجه انتشار اسلحة الدمار الشامل " في العالم من اجل المضي قدما في " تعزيز السلام ونشر القيم الامريكية " على حد قول الرئيس الامريكي جورج دبيلو بوش في خطابه الاول امام الكونكرس الامريكي ([98]) .

وبعد كل ما تقدم يمكن ان نخلص الى القول ان الخطاب السياسي الامريكي المعاصر اتسم بالمرونة والتغير النسبيين على وفق الحقبة الزمنية التي عبر عنها ليكون منسجما مع المتغيرات السياسة الامريكية والدولية ، وحرصا على خلق التوازن المناسب بين القيم الاخلاقية والقانونية التي يدعيها الخطاب الايديولوجي الليبرالي الامريكي وبين متطلبات السياسة الواقعية ، التي تفرضها المصالح القومية والستراتيجية الامريكية وتمليها الظروف الدولية . فلقد غلف التحرك السياسي الخارجي الامريكي بمبادئ جليلة ونبيلة كجعل العالم مكانا امنا للديمقراطية وتنمية حقوق الانسان ولحماية حرية الاقليات وتعزيز الاتجاه السائد نحو اقتصاد السوق وحق تقرير المصير والشرعية الدولية والقضاء على الارهاب ونبذ العنف السياسي وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بالعالم بغية تحقيق المصالح الامريكية في تكييف النظم السياسية والاقتصادية لدول العالم الواقعة خارج اطار المنظومة الغربية ودمجها مع ما تسميه الولا يات المتحدة بـ ( النظام الدولي الجديد ) مستغلين ثورة التكنولوجيا والسيطرة على وسائل الاعلام المتطورة التي جعلت من العالم مدينة صغيرة في تحقيق الاهداف المطلوبة . كما ان الولايات المتحدة لن تتردد في الاعلان والتلميح في خطابها السياسي عن عزمها في خلق المتاعب للدول التي سوف تتاخر عن الانسياق خلفها وذلك باشاعة عدم الاستقرار السياسي لتلك البلدان وتحريك الاقليات العرقية والدينية لتفجيرها من الداخل او من خلال فرض العقوبات الاقتصادية عليها او وصفها بتهمة تهديد السلم والامن الدوليين.

الصفحات