قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

(1) الفسـاد والثورة التصحيحيـة المطلوبة

نكتة سياسية سمعتها قبل ست سنوات تقريباً تقول: أن أحد المسؤولين زار صديقه الذي يعمل في الحكومة مثله لكن في فترة قصيرة بنى له منزلاً من طوابق. فسأله صديقه الزائر مندهشاً: (دي عملتَها كيف؟). فقال له: (شُفْتَ الكبري داك؟) فقال له: (أيوة شايفو). فقال له: (طوبة هناك.. وطوبة هنا..). أخذ صديقه المندهش الفكرة ولكنه (أبدع) فيها حيث بنى له قصراً في فترة وجيزة. فسأله صاحبه (بتاع طوبة هناك وأخرى هنا): "دي عملتها كيف؟". فقال له صاحب القصر: (شُفتَ الكبري داك؟). قال له متساءلاً: (ياتو كبري، وينو، ما شايف أي كبري هناك!). فقال له وهو يشير لقصره: (الكبري كلو هنا!).

هذه النكتة توضح كيف يتحايل و يتفنن الفاسدون في طريقة نهب المال العام دون الوقوع في شراك القانون. والنكتة السياسية تظهر عادة في حالة الكبت كنوع من التنفيس عندما تمنع الحكومة النقد وتهدد كل من ينقدها أو يتحدث عن فساد سدنتها. وهذا من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في هذا المجال، لأنها بمنعها الحديث عن الفساد شكلت حماية كاملة للمفسدين فاستشرى الفساد إلى الدرجة التي لم تستطع الحكومة إنكاره بل أعلنت القيادة السياسية الحرب على الفساد.

لكن يا ترى كم مليار من أموال الشعب أخذها المفسدون؟ وما درجة تأثيرها على معاناة الجماهير؟ بل ما هو حجم التأثير الأخلاقي والأدبي على حكومة تقول أنها إسلامية؟

إن الأمر يحتاج لثورة تصحيحية. وهذه الثورة التصحيحية لا تتم إلا بالسماح للأجهزة الرقابية (برلمان ومراجع عام) بالقيام بدورها كاملاً، والسماح للصحافة في أن تساعد في كشف مواقع الفساد. وأن لا يتم التستر عليه وعلى مرتكبيه وتقديمهم للمحاكمة بعد سحب الحصانات وإقالتهم من مناصبهم واسترداد المال العام.

أخطأت الحكومة عندما كانت تتجاهل تقارير المراجع العام. وكانت تسمي الفساد (الاعتداء على المال العام). ثم لم تتخذ إجراءات أو قرارات لإجبار العشرات من الوحدات والمؤسسات الحكومية على إخضاع حساباتها للمراجعة. ولقد كانت الحكومة تمنع الصحف من الحديث عن فساد وتهدد بأن لا يكتب أي شخص عن فساد ما لم يثبته بالدليل! لكن عندما يكون هناك موظفا عاما محدود الدخل، يسكن بالإيجار ويستغل المواصلات العامة وفجأة يقتني عربة فارهة ويبني بيتاً فخماً ضخماً، أليس هذه (قرائن الأحوال) التي تضخ شبهات كافية لدى الرأي العام؟

أي أن الخطأ هنا مزدوج: إنكار الحكومة للفساد، ومنعها للصحف من الحديث عنه. وها هو الإعتراف سيد الأدلة، لكن بعد أن نخـر الفساد في جسم الخدمة العامة وأوْهَن الاقتصاد، ودفع المواطن الثمن – فقراً ومعاناةً.

لكن ناهيكم عن الصحف، فقد تحدثت أصوات عاقلة من داخل الحركة الإسلامية منذ وقت مبكر وطالبت بضرورة تصحيح المسار. فهناك علماء قدموا نصحاً ونقداً موضوعياً هادفاً ونقدا ذاتياً مُصْـلِحاً لكن صوتهم لم يكن مسموعاً. وكما أشرتُ من قبل في مقال سابق بهذه الصحيفة (هل يقرأ القادة السياسيون ما يكتبه المختصون؟) أشرتُ إلى أن الحكومة لا تستمع إلا إلى الأصوات الأعلى صياحاً وهي (البراميل الفارغة).

فلقد تحدث من قبل الدكتور التجاني عبد القادر حامد – الأكاديمي المتميز وعضو مجلس شورى المؤتمر الوطني- تحدث وكتب سلسلة مقالات جمعها في كتاب عن المراجعات الكبرى. وتحدث عن ثالوث القبيلة والسوق والأمن الذي يحكم السودان. وعندما لم يجد أذن صاغية قال: "شعرنا بأننا غير مرغوب فينا"؛ وغادر إلى ماليزيا في منتصف تسعينات القرن العشرين وبعدها إلى الولايات المتحدة باحثا وأستاذا جامعياً، ثم استقر أخيرا في الخليج.

بعد ما وصل الحال إلى ما وصلنا إليه الآن نحتاج إلى ثورة تصحيحية. هذه الثورة يجب أن تبدأ من داخل الحزب السياسي الحاكم. فالمؤتمر الوطني تجاوزته الأحداث حيث كان وليد ظرف تاريخي معين وأملته أوضاع محددة، وهي فترة ما قبل الديمقراطية حيث كان هو الحزب الواحد الشمولي. وكان الهدف منه أن يكون "وعاءً جامعاً" فضم في داخله الجنوبيين والمسيحيين والمايويين وحتى بعض العناصر التي كانت محسوبة على اليسار.

وقد استغل بعض المنافقين ذاك الظرف (فركبوا الموجة) ودخلوا الحزب وادعوا نفاقاً أنهم حركة إسلامية. فدخلوا بدافع المصلحة الشخصية حتى انتشرت بعض المفردات مثل وصف غير المنتمين للصف الإسلامي وهم يطلقون لحية صغيرة (داير أعيش).

هذا لا يعني أن الفساد كان حكراً على تلك الفئة المندسة فقط. لكن يجب أن يعود الاسم الحقيقي للحزب (حزب الحركة الإسلامية) لكي يعرف الجميع بوضوح أن هذا الحزب هو حركة إسلامية خالصة. وأن على كل عضو الالتزام الأخلاقي والانضباط السلوكي. وأن تتم المحاسبة على هذا الأساس. وأي عضو يرتكب فساداً أو جريمة أخلاقية يجب فصله من الحزب مهما كان مقامه أو مركزه فالمقولة السائدة الآن في الرأي العام هي: "أن هؤلاء يتاجرون باسم الدين".

يحتاج الوضع الآن إلى ثورة تصحيحية في الحزب وفي الحكومة، على أن تبدأ بالشفافية والمكاشفة والمحاسبة بعيداً عن أية مجاملة أو أية مداراة طالما أن الذي يقود الحكومة هو حزب يحمل راية الإسلام ويحمل مشروع حضاري، فالمنهج الصحيح لنشر هذا المشروع هو أن يتحول إلى سلوك عند القيادات فتكون هي النموذج والقدوة للآخرين. فالإسلام يقوم على العدل وليس فيه (فقه السترة) التي لا تجوز في المال العام أو الفساد الذي يتضرر منه المجتمع لا الفرد. فالمرجعية الإسلامية واضحة لا لبس فيها: "... والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها"..

السوداني/ 2/5/2011

الصفحات