قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

(5) دكتــوراة للبيـــــــــــــــــع

على هامش اجتماع ما بمجلس الوزراء جمعتني جلسة قهوة مع الوزير السابق والخبير الإعلامي المعروف البروفيسر علي محمد شُـمّـو والذي في معرض إشادته بمقالاتي التي نشرتها مجلات فصلية علمية مُحكَّمة (دوريات) خارج السودان أضاف معلقاً في حسرة على تدهور مستوى الكتابات العلمية وبحوث الدراسات العليا في السودان. فقلتُ له أن هذا الأمر ظل يؤرقني منذ فترة، وهذه ملاحظة في محلها.

لم أجد عنواناً أفضل من المكتوب أعلاه للتعبير عن حالة التدني الذي نعانيه في مستوى البحث الأكاديمي والدرجات العلمية حيث صار ينتابني احساس بأن الظروف المالية الضاغطة على الجامعات دفعتها لتقديم تنازلات، أو مرونة، في قبول الطلبات الخاصة بالتحضير لدرجة الدكتوراة خاصة في مجال العلوم النظرية المعروفة بالعلوم الاجتماعية (السلوكية أو الإنسانية).

صحيح أن هنالك بعض المعايير مطبّقة مثل الرجوع إلى شهادة البكالوريوس والتقدير الذي حصل/ت عليه الطالب (الطالبة) ونوع الجامعة (هل معترف بها...). لكن هذا لا يكفي خاصة للدكتوراة حيث هناك مرونة أكثر مما يجب في كثير من الجامعات – أستثني من ذلك جامعة الخرطوم التي ما زالت متمسكة بالتقاليد العلمية السليمة.

وهنا أطرح سؤالاً مهماً: هل كل مَـن تقـدّم إلى درجة الدكتوراة يستحق ذلك أو ترقى خطته وموضوع بحثه إلى أطروحة الدكتوراة؟؟

لقد لاحظتُ أنه (في معظم الجامعات) يندر جداً أن يتم رفض خطة دكتوراة نتيجة تقييم علمي لها أو رفض موضوع البحث؛ ويبدو أن الشرط الأساسي هو أن لا يكون هذا الموضوع مسجلاً في جامعة أخرى ويتم الاستوثاق من ذلك عن طريق ما يُعرف بــ (البراءة) – وهي استمارة يذهب بها الطالب لكل مسجلي الدراسات العليا في الجامعات التي بها تخصص (أو قسم) شبيه بالمجال ليؤكد على ذلك بالختم والتوقيع.

أعتقد أن الهدف من رسالة الماجستير (master thesis) أن يتحكّم الطالب في دراسة الظاهرة (أو المشكلة) بالتطبيق السليم لمنهج البحث العلمي. أما بحث الدكتوراة فأعتقد أنه يُسمَّى "أطروحة" (dissertation) لأنها تنطوي على ما (يطرحه) الطالب/الباحث من أفكار أو (رؤية) جديدة في المجال أو الموضوع. لذلك نجد أن كثيراً من الجامعات الملتزمة بالمعايير العلمية تشترط أن يقدم طالب الدراسات العليا سمنار (حلقة دراسية) يقدم فيه خطته وتتم مناقشته قبل إجازة الخطة في القسم المعني وفي مجلس أبحاث الكلية. وهذا جزء من التقييم حيث يساعد السمنار الطالب بالحصول على إضاءات أو أفكار جديدة لخطته لتصبح خطة قوية متماسكة (solid) كما يساعد الحضور من الأساتذة على تقييم إن كان فعلاً يستحق التسجيل لدرجة الدكتوراة.

إن التنازلات (أو المرونة) التي تقدمها جامعاتنا للقبول لدرجة الدكتوراة بسبب الضائقة المالية كان نتيجتها أن أصبح عندنا كثيراً من حَمَلَة لقب (الدكتور) ومستواه الحقيقي دون ذلك، ليس بمعيار الفهم العام أو الثقافة العامة بل بمعيار مجال تخصصه. وإليكم بعض الأمثلة:

- كتب دكتور ورقة قدمها في مؤتمر عُقِـد في قاعة الصداقة قبل بضعة أعوام فقدم في ورقته حوالي (14) أربعة عشرة فرضية!! في حين أن الدكتوراة بحالها لا تحتمل نصف هذا العدد من الفرضيات! ويبدو أنه لا يعرف معنى (فرضية)! والمصيبة أنه يعمل في التدريس ويشرف على بحوث دراسات عليا!!

- كتب دكتور آخر ورقة في مؤتمر عن قضية سياسية في السودان فهاجمه أحد الكُتَّاب بمقال في صحيفة يومية (أفحمه) فيه وتساءل كيف أن هذا يحمل درجة دكتوراة وأستاذ جامعي في المجال ذاته – مجال موضوع الورقة؟!

- وهناك بروفيسر اتضح لي من خلال نقاش في مناسبتين أنه يخلط بين المفاهيم (في مجاله) ولا يميز بينها؛ بمعنى أنه يعاني من مشكلة مفهومية (أو مفاهيمية) في حين أن درجة الأستاذية (برفيسر) تعني أنه عالِم في مجال تخصصه بل هو الذي يقوم بعملية التقييم (التحكيم) لبحوث حَمَلَة الدكتوراة لترقيتهم: من درجة الأستاذ المساعد(assistant professor) إلى الأستاذ المشارك (associate professor) ومن درجة الأستاذ المشارك إلى الأستاذ (professor)، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!

إذن مستقبل العِلم والبحث العلمي في السودان في خطر طالما وصل التدهور إلى مستوى (المرجعيات) الأكاديمية. يحتاج الأمر إلى ثورة تصحيحية تبدأ من التعليم الأساسي كما أشرتُ في مقالي السابق (12/12/2011).

الغريب في الأمر أن هناك لائحة تحكم الترقيات فتم رفضها من كثير من الجامعات باعتبار أنها متشددة، وذلك لأنها تشترط – ضمن شروط الترقية – أن يكون للأستاذ المتقدم للترقية بحوثا منشورة في دورية علمية دولية، وأن يكون أحد المحكمين من خارج السودان. فتم تعديلها لتعود (المرونة) مرة أخرى، ويعود المستوى كما هو!

وحتى عند مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراة تجد أن (طيبتنا السودانية) تفرض نفسها. حيث تحدث (مجاملات) للزميل المشرف على البحث وبالتالي تؤثر (هذه العاطفة) على (التقييم الحقيقي) للبحث حتى لا يقع (الحرج)! أما الذين لا يجاملون فقد أصبحوا غير مرغوبا فيهم ونادرا ما يتم دعوتهم كمناقش داخلي أو ممتحن خارجي.

الملاحظة الأخرى هي أن الماجستير عندنا في السودان مدته عامان ويمكن للطالب أن يناقش في عام واحد كحد أدنى. والدكتوراة ثلاث سنوات ويمكن أن تتم مناقشة الطالب في عامين فقط! لم أجد مثل هذه المرونة في كل الدول التي زرتها وزرتُ جامعاتها من خلال المؤتمرات. فحتى في الدول الأفريقية مثل كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا اندهشوا عندما أخبرتهم عن معاييرنا في السودان. ففي الولايات المتحدة – مثلاً – قالوا لي أن مدة الدكتوراة (6) ست سنوات: عامان عبارة عن دراسة (كورسات) يدرس فيها الطالب النظريات والمفاهيم ومنهجية البحث العلمي وغيرها، ثم (4) أربع سنوات عبارة عن بحث – بحث يأتي فيه الطالب بالجديد في المجال. لذلك نجد أن هناك شباب من الباحثين من أوروبا وأمريكا يجوبون أدغال وأرياف أفريقيا (وليس العواصم) للبحث العلمي الميداني ودراسة الحالة والدراسات الامبيريقية والمقارنة... بحيث يكون لبحث الدكتوراة قيمة علمية وفيه إضافة جديدة للمعرفة البشرية.

أما نحنُ في السودان فنجلس في المكتبات (وننقل) ونحصل على درجة الدكتوراة في عامين!! إن الأمر يحتاج إلى وقفة ودراسة ثم معالجة حاسمة، ووزارة التعليم العالي و(البحث العلمي) تعرف كيف تكون المعالجة ولا تحتاج مني لتفصيل. وكفانا ملطشة وفضائح فقد أعلنت دول الخليج عدم اعترافها بالدكتوراة الصادرة من الجامعات السودانية باستثناء جامعة الخرطوم.

السوداني 19/12/2011

الصفحات