أنت هنا

قراءة كتاب التفاحة النهرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التفاحة النهرية

التفاحة النهرية

التفاحة النهرية، مجموعة قصصية للكاتب الفلسطيني محمد نفاع، الصادرة عن دار راية للنشر والتوزيع- حيفا، تحمل في طياتها ذكريات طفولة الكاتب من حياة القرويين مؤكدا ان مأساة الترحيل والطرد من البلاد وآلاف المواطنين يمرون من وسط بلده بيت جن في طريقهم الى لبنان ما ز

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
التفاحة النّهرية
 
أفقتُ دغشة الصبح على حديثهم: أبي خطَرَ على باب الله!! لهذه الكلمات وقعٌ هامٌ مُعتبر. فباب الله يجب أن يكون واسعًا ثقيلًا كبيرًا جديدًا ليس كباب بيتنا المهترئ الكاشح المُخلخل. هو نفسه- فكّرتُ- باب السد وراء جبل قاف في الصين ومن هناك يخرج العسكر الجراد بالعزّ والأنعام يا مرحبا يا مرحبا بقدومكم بعد الخبا يا إخوتي جانا النبا أن المظفّر قاما.." عسكريات تقال في ليالي العُشر قبل العيد الكبير الذي لم يصادَر كأخيه إبن أمّه وأبيه العيد الصغير. شعرتُ بحبّ جارف لأبي وهو في تلك النواحي البعيدة المجهولة. وكلّما مرّ الوقت في هذا النهار التشريني بغباره الثائر الملحاح وغيومه العكرة المشطحة ووجهه الكدر العبوس يزداد تعلّقي بأبي وعتبي عليه: لماذا لم يأخذني معه الى تلك الأمكنة وراءالباب والسدّ والجبل!!
 
_ "الحجارة هناك جواهر".
 
فتدخّلتُ وتساءلتُ:
 
_ "وإن صارت طوشة بين الحارتين في إيش يضربوا ؟!"
 
من وين "الجَمَشْ"؟!
 
_ " والتراب تبر"
 
في بيتنا قلادة "ذهب قطّة"، ذهب كذّاب بتعريفه!! أية أشياء مهمة في آخر الدنيا هناك!
 
_ "الفيلة تأكل الرز واللحم ومن عيون السمك يعملون طوايل للخيل! ويشربون من نهر العسل!"
 
وخلق سبب آخر لعتبي وقهري يتعلّق بالرز واللحم الذي نسمع به ولا نراه، أطباقنا عامرة بالمجدّرة والملفلفة والشلباطة وكبّة البطاطا والأقراص الناشفة وكل أنواع السليقة، عِلت ودردار وقُرصعنّة وكُرّات وصعلوك وزعتر وتنتول وكف العروس وشحيمة وذوينة الجدي وخبيزة وشومر وحفحاف والكثير من هذه العائلة العريقة. ونتقاتل على عِرق البطيخة إذا انوجدت وشقّحت وننظّف الحزوز حتى نرميها رقيقة شفافة بيضاء بعد أن نقضي قضاء مبرماً على اللون الأحمر وراقة من الأبيض، بينما هناك الفيل يأكل الرز واللحم.
 
كبر الليل وفتح فمه الأسود الأشدق، وبدت الجبال البعيدة جهمة عابسة مهددة تسرح فيها الغيلان والأشباح وعفاريت الجن، والرياح تجوح بموجات صافرة مولولة والنجوم غائرة، والرعود تقصف وتُدبدب زاحفة مزمجرة أكثر من ألف بقرة سما، والدنيا تزفر متوعدة تنهيدات رهيبة من جوفها السحيق وأبي لوحده في الدروب الموحشة في قلب الغيم والعتم والريح.
 
_ "ريح صرصر"!
 
لماذا لم يأخذني معه ؟ أو ليأخذ أخي رفيق الأكبر مني ؟ شابٌ مثل التفاحة!!
 
_ "سقطت يافا!! أم البرتقال اليافاوي".
 
لكن ومع صيحة الديك وجه النهار عاد أبي من مشواره البعيد وخطرته الكبيرة.
 
وخلقت عودته حدثًا ضخمًا في البيت والحارة والبلد وخارجها. تبيّن أنه كان في بلد اسمها "النهر"!، وراح يلغط بأسماء البلاد لم أسمع بها من قبل. وانخذلتُ من مشوار أبي الهزيل المبتذل وانقبضتُ:
 
_ "في النهر!! وأنا حسبته في باب الله وجبل قاف".
 
ثم أعجبتني أسماء الغابسيّة وكويكات وعمقا والمنشية وطربخيا والكابري والبصّة وكلها ليست في منطقة صفد، فهذه نعرفها ونسمع بها لأنها على وجهنا وطريق أرضنا في الخيط المالكية وميرون وقديتا ودلاتا وطيطبا وبرعم.. كونٌ عامر وبلاد كثيرة ولكل بلد اسمها وموسمها.
 
_ "كل المناكيش والمناجل والصاجات من ترشيحاكميّة"!
 
قدّمت أمي هذه المعلومة وارتفعت مكانتها في نظري.

الصفحات