كتاب " الموقف والقرار " ، تأليف جورج سكاف ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
هذا الكتاب يختصر مرحلة هامة من تاريخ لبنان.
قراءة كتاب الموقف والقرار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الموقف والقرار
كانت العودة إلى زحلة حافلة بلقاء الأحبة والاستماع إلى قصص مؤثرة، محزنة ومفرحة بعض الأحيان، عاشها كل فرد وكل حي، في أيام المعاناة الطويلة. ومع انحسار الوجود الرسمي للدولة عن البقاع لجأ إلى زحلة الحصينة في عزلتها، كل من بقي من رموز للدولة في المناطق البقاعية المستباحة، ومن بينها فريق من الجيش اللبناني الذي غادر ثكناته المجتاحة في أبلح ورياق فأقام مركزاً له في "الكلية الشرقية" في حي الراسية، حيث استطاع أن يظل على تواصل مع قيادته في بيروت، بوسيلة اتصال لاسلكي بقيت في حوزته وتمكن من تركيبها.
هذا الفريق الصغير، والمعزول عملياً، كان يمثل الصورة الحية لما بقي من استمرارية الشرعية، في حدودها الدنيا. فرئاسة الجمهورية قد هُجّرت من قصر بعبدا وأقامت في مقر مؤقت في القصر البلدي في الذوق، بينما أقام رئيس الجمهورية في الكفور، ورئيس الحكومة عزل نفسه في طرابلس وهو يقاطع رئيس الجمهورية ويعارض كل ما يقوم به، والحكومة التي دعيت عند تأليفها بحكومة الانقاذ الوطني، وضمت ستة وزراء يمثلون الطوائف الكبرى، برئاسة الرئيس رشيد كرامي السني وعضوية الرئيس كميل شمعون الماروني والرئيس عادل عسيران الشيعي والامير مجيد ارسلان الدرزي وغسان تويني الأرثوذكسي وفيليب تقلا الكاثوليكي، وقد تركها هذا الاخير ليتولى وزارة الخارجية مكانه بالوكالة الرئيس كميل شمعون وهو وزير الداخلية والسياسي الكبير الباقي إلى جانب الرئيس فرنجية في محاولة الحفاظ على الدولة. بينما تحولت حكومة الانقاذ الوطني إلى وزراء منفردين يصرفون الأعمال الملحة كيفما تيسّر، فلا تجتمع ولا تتخذ القرارات الضرورية، وليس من يستجيب لها إذا أصدرت أي أمر، واتخذت أي قرار.
أشرف عهد الرئيس فرنجية على نهايته، وكان عليه أن يسهل انتقال المسؤولية بصورة شرعية إلى العهد الجديد برئاسة الرئيس المنتخب الياس سركيس، وقد تم انتخابه قبل اوانه بتعدبل دستوري قبل خمسة أشهر من الموعد المحدد من أجل توفير استمرارية الدولة وتداول السلطة العليا في أجواء سلمية ومضمونة، بعد كل ما أصاب البلاد من ويلات عسكرية وانقسامات سياسية وحروب متنقلة بتنقل امتداد جبهات منظمة التحرير الفلسطينية وتنوع تحالفات فصائلها غير المنضبطة مع عناصر وحركات مسلحة اجنبية ومحلية تحاول كلها النيل من مرافق الدولة، وتفريغ المؤسسات الرسمية من مقوماتها، لتقيم مكانها دويلات متنازعة وشرعيات شعبوية مسلحة ومشتتة، مكان الدولة الشرعية الموحدة والضامنة..
لم أكن قد أمضيت في زحلة بضعة أيام حتى جاءني موفد من الفرقة العسكرية التي انتقلت من أبلح إلى الكلية الشرقية، يبلغني دعوة سريعة للتوجه إلى بيروت دون ذكر مصدر الدعوة ولأي سبب ملح. فقصدت مذهولاً مركز الجيش مستعلماً حقيقة الأمر، وقد خفت أن يكون أحد أفراد عائلتي قد أصيب بسوء، أو تعرضت مؤسستي لضرر كبير. ولكن المسؤول عن الجهاز العسكري لم يكن على علم بأي أمر، ولم يجد في القيادة من يستطيع أن يفيدنا بشيء لا عن مصدر الدعوة ولا عن موضوعها. وبعد جهد طويل توصل رئيس الأركان العميد موسى كنعان إلى معرفة حقيقة الأمر بأن المدير العام للقصر الجمهوري الأستاذ كارلوس خوري هو الذي طلب الاتصال، ولم يعلم أكثر من ذلك. فعدت إلى البيت مطمئناً أن ما من أمر يدعو للهلع، وما من مكروه يستوجب العجلة.