أنت هنا

قراءة كتاب كهرمانة عصر النساء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كهرمانة عصر النساء

كهرمانة عصر النساء

كتاب " كهرمانة عصر النساء " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 5

جهاد عقله في سوح أفكاره مكّنه من الظفر بفكرة الخروج من قيود اركان قصره الى الشعب ليرى ما يجري في مملكته من حقيقة ما يسمعه من مستشاريه ووزرائه، وقد هيّأ لنفسه ذلك عندما بدأ ينعزل بصومعة خاصة ليوم في الاسبوع لا احد يعرف ماذا يفعل وفي أي مكان هو..تسلل من قصره والشمس قد تسيّدت السماء باعثة لهيبها بشدة وثياب رثّة أكست جلده المدلل الذي لا يقوى على تحمل سنن اللهب التي تنفثها الشمس متنكرا قاصدا السوق العام في الميدان ليرى ويسمع ما يجهله..دخل وسط الزحام وعيناه القابعتين خلف لثام متهرّ تفترس بفزع ما حوله خوفا من مصير رحلة مجهولة المعلوم..توغل أكثر فاكثر في صفوف المارّة واصوات مروّجي البضائع تستقر عنوة في مسمعه وعلى الفور تناثر غبار شديد من بين المارة عكّر صفو الجو الملتهب واصوات صهيل الرعب تبطش به باسواط هرّأت جلده وهو تحت اقدامهم يحبو منكبا على وجهه وهو يصرخ سأدفع سأدفع سامحوني سأدفع..الصهيل يتعالى والاسواط تتوالى من دون ان يحرك الجمع المتجمهر شعوره حتى ولو بكلمة مسكين.تقدم أكثر من الحلبة التي نصبت أمام محل الاقمشة وثقب جدار الجمهور المتصلّب خوفا حتى وصل الى المقدمة وشاهد ثلاثة طغاة يرتدون زي جباة الضرائب يتسلّون بغطرسة بهذا الذي اصطبغت بزّته بلون الدم والتراب..ارتعد شفقة وتكلّست قدماه على أرض مغبرّة من هول المشهد وراح يدمدم مع نفسه حتى انفجر بركان لسانه وتفوه بكلمة كفى كفى...انكم مجرمون انا الملك..ذهول المتجمهرين أخرس همسات سرّهم على قول الملك ولسان حالهم يقول:ايريد هذا الفقير ان يقتل؟ ماذا دهاه؟ ضحك بخسرية أحد ابطال الغطرسة على هذه الصراحة والجرأة وقال:انك حتما ملك مملكة الفقراء والتعساء ولصراحتك ستكافىء حالا..بمباغتة سريعة يترنح السوط على ظهر الملك بضربات موجعة تسقطه ارضا الى جنب المظلوم الأول وينال في أول ساعة من رحلته عذاب الاهانة والالم.

انتهى المشهد.انصرف الجمهور ولملم الملك وصاحبه اعضاءهما المتألمة.وانعطف في سيره الوئيد المتمايل نحو سكينة ليسترد عافيته.انزوى بعيدا عن زحام السوق واتكأ على جدار منزل وانفاسه تومض متقطعة بتباطىء مقيت..فكّر في موقفه المؤلم ولم يشء ان يرجع الى قصره بل آثر تفقد المملكة..غفوة بسيطة تنقله بجلباب أمير في باحة قصره المزيّن وافراد الحرس قد انتصبوا تماثيلا لحماية المكان وابيه تزيّنه بزّة الملك الخاصة والسوط بيده يبطش باحد حراسه لانه قصّر في اداء واجبه اهمالا.يزهو السوط بافتخار وهو يكوي جسد الحرس والملك المتجبر يتلذذ بما يصنع حتى صرخ الأمير كفى كفى..ارجوك كفى..فزع من غفوته على صوت اقدام رجل يكبره سنا رمى بين يديه كيسا صغيرا مغلقا وكسنا برق مرق واختفى في دهاليز ازقة المنازل المبعثرة بجنب السوق.استغرب الملك من ذلك وفضوله حرّك انامله الموجعة لمعرفة ما في داخل الكيس وما ان فتحه وتلامعت منه اضواء نقود معدنية حتى طوقته ثلّة من اللاهثين -انه هنا ان السارق هنا -وجدناه،قيدوه عنوة مع لكمات وركلات الهبت الم اضلاعه بعد الدرس الأول الذي هرب منه قبل وقت قليل،واقتادوه صوب صاحب المتجر الذي سرقت منه النقود وهو يردد انا لست بسارق انا لست بسارق،وصلوا عند صاحب المتجر وقرروا تسليمه الى العدالة إلاّ ان صاحب المتجر لم يرض بهذا الحكم واراد ان يقتص بنفسه منه وعلل ذلك بقوله:ان القضاة مرتشون فكم يتطلب منا هذا الأمر من النقود والوقت؟ احدهم بدهشة اذن ماذا ستفعل؟ ابتسم ونادى احد صبيانه اجلب لي السوط قررت ان اجلده ستين جلدة حتى لا يكررها ثانية.صرخ الملك وسط الميدان والثلة المنتفعة من صاحب المتجر والتجمهر العشوائي من المارة يسمعون كلاما غريبا.. انا الملك انا ملككم.ذهل المتجمهرون من هذا القول لانه تكرر قبل ساعات ومن الفقير الرث نفسه والسوط قد بدأ عمله بحراثة ظهره ليسقط الملك مغشيا عليه ويستفيق مرتميا في محل للقصابة كان صاحبه قد اشفق عليه وجاء به للمحل..أيقن الملك صعوبة رحلة المجهول ولاسيما بعد ان قصّ عليه صاحب محل القصابة سيرة احداث ما يجري خارج قصره من قتل ودمار ورعب وسوء القضاء وغير ذلك.

دوامة اعصار ضريرة تشرده خوفا من مجهول قد يحلّ به ليقرر العودة الى قصره..خطوات العودة باتت ثقيلة مؤلمة متجنبا كل حدث وشخص يقابله والتعب اثناء مشيه الكسيح يصطاده بين الحين والآخر..يجلس هنا ويواصل ويتكىء هناك ويواصل..اقترب من مشارف قصره المتلألىء ولم يبق سوى بضعة منازل قليلة ليعبرها..التعب سخر عدو له يصطاده ويجبره على الجلوس.جلس في نهاية زقاق ضيق وصوت ناعم يستنجد هذه المرّة..اتركه اتركه ارجوك لا لا لا تفعل ارجوك لاتقتله.نهض غاضبا لانهاء الموقف وجوانبه المؤلمة تقول له اترك ذلك اترك ذلك..صراخ ناعم الزمه الحضور للمشاركة في الموقف واذا باثنين يتصارعان أمامها وهي تنوح ثكلى على هول ما تراه..طعنه وارداه قتيلا وصراخها يدوي لا لا..التفت خائفا رأى الملك ولى هاربا تاركا المشهد بلا نهاية.تقدم الملك نحو المرأة الثكلى وبهدوء لا عليك فانا الملك وقد رأيت بعيني ما حصل وسأجلب لك حقك.كلام ملك وصراخ ثكلى وهكذا حتى تجمع الناس وسؤالهم من القاتل من القاتل. اشارت باصبعها وهي تنوح انه هو.أوه الملك ثانية،صرخ الملك كعادته انا الملك انا الملك..حراس المملكة اقتادوا هذه المرّة الى سجن المدينة ورفعوا قضيته الى القاضي بعد ان سردوا كل ما فعله وادّعاه.نظر القاضي اليه وهو رثّ البزة مبعثر الملامح جرّاء ما حصل له وبعد ان دوّن الشهود افاداتهم لما سمعوه من ادعائه بكونه الملك وسرقته وقتله اصدر القاضي عليه حكما بالاعدام شنقا وينفذ على الفور حال توقيع الملك عليه..أرسل القاضي ملف القضية الى حضرة الملك المسجون وسلّمت بيد مستشاره الأول بهلول الذي يريد الخلاص منه.قرأ بهلول القضية واستغرب وقال أيعقل ان يكون هذا الملك؟قرر ان يذهب ليراه من خلف الستار أمام القاضي ليبت بالحكم وبعد الوصول تفرّس فيه وايقن انه هو الملك وقال للقاضي انه ليس الملك..الملك سيوقع حالا اوراقه حتى تنفذوا حكمكم.

تجمهر الناس وسط المدينة ليروا حدث الاعدام شنقا وبهلول ومستشاريه ووزرائه الذين اعلنوا الولاء له أول الحاضرين..صعد على منصبة الاعدام وتدلى الحبل من الاعلى قاصدا رقبته وفي سرّه آهات وحسرات على شرّ الناس وسطوة الأيام..الطبول تقرع لحن الوداع والحبل يطوّق رقبته واحدهم يزيح من تحت قدميه كرسي الوقوف،وبخوف مدهش يسقط من على سريره لا لا لا أريد ان اموت..أوه انه حلم مقيت.

الصفحات