كتاب " قراءة الأعراب الرواة ومشاهير العلماء " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب قراءة الأعراب الرواة ومشاهير العلماء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

قراءة الأعراب الرواة ومشاهير العلماء
3- الإدغام
الإدغام في اللغة ادخال حرف في حرف ، يقال أدغمت اللُّجام في فم الدابة أي ادخلته في فيها ([121]) . وأدغمت الثياب في الوعاء أدخلتها فيه ([122]) اما في الاصطلاح فهو أن تصل حرفاً ساكناً بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف ، فيصيران كالحرف الواحد لشدة اتصالهما ([123]) فالإدغام أذن (إنما هو تقريب صوت من صوت)([124]) .
وعلة الإدغام أن العرب لا تألف في كلامها تجاور الحروف المتقاربة في مخارجها([125]) إذ يفضي هذا التجاور إلى الصعوبة في النطق ، لذا يؤتي بالإدغام طلباً للتيسير ، وسهولة النطق .
والإدغام نقيض الإظهار ، وهما لغتان واردتان في القرآن الكريم ، وفي كلام العرب ، فوجه الإدغام طلب التخفيف . (وقيل لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه ثم عاد مرة أخرى للمخرج بعينه ليلفظ بحرف أخر مثله صعب ذلك ، وشبهه النحويون بمشي المقيّد ، لأنه يرفع رجلاً ثم يعيدها في موضعها ، أو قريب منها . وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين ، وذلك ثقيل على السامع ، ولذلك أدغم أبو عمرو بن العلاء وقال : (الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسون غيره)([126]) لقد شاعت ظاهرة الإدغام بين قبائل وسط الجزيرة العربية وشرقيها كقبيلة تميم ، وطيء ، وأسد ، وبكر ، وغيرها . أما التي أثرت الإظهار فهي قبائل الحجاز ، وقريش ، وثقيف ، وكنانة ، وهذيل ([127]) .
والإدغام ثلاثة أنواع : إدغام المتماثلين ، وإدغام المتقاربين ، وإدغام المتجانسين([128]) وهو ضربان : إدغام كبير وإدغام صغير ، فأما الإدغام الكبير فهو ما كان أول الحرفين فيه متحركاً سواء أكانا متماثلين أم جنسين أم متقاربين . وسمي كبيراً لكثرة وقوعه فإذا كانا متماثلين أسكن الأول وأدغم في الثاني ، وان كانا غير مثلين قلب الأول كالثاني ثم ادغم فيه . فمن المثلين ، إدغام النون بالنون كما في لفظ (بأعيُنيِنا) في قوله تعالى: ]تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ[([129]) قرأ ابو السمال الأعرابي (بأعْيُنَّا)([130]) بأدغام النون بالنون ، كما قرأ بالإدغام ابو عمرو في رواية العباس([131]) ، وقرأ بهذه القراءة أيضاً المطوّعي ([132]) وإنما قرأ هؤلاء بالإدغام طلباً للخفة في النطق .
وقراءة هؤلاء الثلاثة شاذة لأنها مخالفة لخط المصحف .
وهذا يعني عند أهل الأصوات ، أن قاعدة المقطع الرابع رجعت إلى الخلف لتشكل قاعدة ثانية للمقطع الثالث ، فصار مقطعاً طويلاً مغلقاً وسقطت قمته هكذا :
القراءة المتواتر : بأعيُنيِنا :
س ع س ع س س ع س ع س ع ع
ب ـِ ء ـَ ع ء ـُ ن ـِ ن َـً
القراءة الشاذة : (بأعيُنّا) بالإدغام :
س ع س ع س س ع س س ع ع
ب ـِ ء ـَ ع ى ُـ ن ن َـً
هذا هو تفسير المحدثين لقراءة الإدغام .
ومثل هذه القراءة ، إدغام النون بالنون في لفظ (ولا تَمنُنْ) في قوله تعالى: ]وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ[ ([133]) .
قرأ جمهور القراء (ولا تَمْنُنْ) بنونين ([134]) ، وقرأ أبو السمال العدوي (ولا تَمُنَّ) بإدغام النون بالنون ([135]) وقرأ هذه القراءة أيضاً الحسن البصري وأشهب العقيلي ([136]) .
وفي (تستكْثِرْ) ثلاث قراءات ، السكون وهي القراءة المتواترة التي قرأ بها الجمهور ، وسبب السكون أو الجزم لأنه جواب الطلب أو هو بدل من (تمنن) ، المعنى : ولا تمنن ولا تستكثر ؛ أو لأنه إنما سكّن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات كما حكاه أبو زيد الأنصاري ]بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ[([137]) باسكان اللام ([138]) أما قراءة النصب فعلى تقدير (أن) المضمرة كما في حرف عبد الله بن مسعود (ولا تمننْ أن تستكثر)([139]) .
ومثله قوله طرفة :
ألا أيُّهذا اللائمي أحضَر الوغى وأنْ أشهد اللذاتِ هل أنت مُخلدي ([140])
أراد : ان أحضر الوغى .
أما قراءة الرفع فعلى أن (تستكثرُ) جملة حالية ، أي لا تعطي عطية لتأخذ أكثر منها ([141]) .
ومنه قراءة أبي مجلز لقوله تعالى : ]وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا[([142]) . إذ قرأ (الله هي) بالإدغام الكبير ([143]) ، وقد انفرد بها أبو مجلز فلم يقرأ بها أحد غيره ، وعليه فالقراءة شاذة .
ومثال إدغام غير المثلين إدغام الباء بالفاء في ]أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ[([144]) قرأ ابو المهلب (أو يغلب فسوف) بالإدغام الكبير ([145]) ، بعد أن قلب الباء إلى جنس الفاء. والمسوغ لهذا الإدغام تقارب مخرجي الباء والفاء فهما صوتان شفويان ([146]) وقد أظهر قوم ([147]) .
وأما الإدغام الصغير فهو الشائع المروي عن جمهور القراء ، وفيه تحقيق مجاورة الصوتين المتجانسين او المتقاربين إذ لا فاصل بينهما ([148]) مثال ذلك (نٍِعِمّا) أي نعم ما، لم أقف على اسم القارئ الأعرابي لهذه القراءة .