كتاب " العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011 " ، تأليف د .
قراءة كتاب العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2 - 1: النموذج السعودي
سوف نتوقف قليلاً مع حالة المملكة العربية السعودية، كنموذج فقط، حيث اضطر 156 عالماً شرعياً إلى إصدار بيان دافعوا فيه عن المناهج السعودية، وردوا على الدعوة التي وجهها المحامي والكاتب الإسلامي السعودي عبد العزيز القاسم لتعديل المناهج، وكان هذا الأخير قد اعترف بأن دعوته لتعديل المناهج جاءت في سياق المطالبات الغربية والأمريكية لتعديل المناهج في المملكة العربية السعودية، والتي ارتفع صداها بشدة بعد أحداث 11 أيلول (شتنبر) 2001، بعد أن كانت بدأت خافتة بالتواكب مع مفاوضات أوسلو، ولكنه يرى أن التعديل كان احتياجاً داخلياً حقيقياً للسعوديين قبل هذين الحدثين المهمين، وما فعلته أحداث أيلول (شتنبر) هي أنها طرحت كل الأوراق العربية والإسلامية أمام العالم، وصارت القضايا المحلية شاغلاً عالمياً منذ ذلك الحين. واستند القاسم في مطالبته بتعديل المناهج إلى أنها صارت مليئة بحشو كثير لا يفيد الطالب الذي يعيش في هذا العصر، «فنحن نحتاج عاملاً في كل بيت، ولا نحتاج فقيهاً في كل بيت».
والمطلوب من المناهج في الفترة الحالية أن تحقق للطالب ثلاثة عناصر أساسية لتجعله عضواً فعالاً وملتزماً في مجتمعه.
أولها أن تعلمه أساسيات الشريعة الضرورية، دون أن تغرق به في التفصيلات التي لا يحتاج إليها.
والثاني أن تحيي فيه قيمة العمل ليكون عنصراً منتجاً.
والثالث أن تكسبه المهارات التي تجعله عنصراً نافعاً ومسالماً في المجتمع من خلال تربيته على (المفاهيم السياسية الأساسية)[8].
يرى أحد الكتاب الصحافيين[9]، أن عملية تطوير المناهج في المملكة العربية السعودية تعد قديمة بعمر التعليم النظامي نفسه، غير أن المحرض الأساس لنقاش تغيير المناهج هو لسان وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، الذي أطلق (مبادرة المشاركة والديمقراطية) التي احتوت على أهمية تحديث التعليم، ولا سيما المناهج، وذكرت المبادرة أن التعليم الأساسي في الشرق الأوسط يعاني من نقص، وما سمي بتراجع في التمويل الحكومي، بسبب تزايد الإقبال على التعليم متماشياً مع الضغوط السكانية، كما يعاني من اعتبارات ثقافية تقيد تعليم البنات. ثم أُعلن في لقاءين وطنيين للحوار الفكري، وضمن التوصيات، ضرورة تطوير التعليم وتحديثه بما يتلاءم مع المناخ العالمي وفق الهوية المحلية، ومن جهة أخرى تمت تبرئة المناهج من كونها سبباً في العنف والإرهاب داخل السعودية وخارجها. وفي خضم احتدام النقاش الاجتماعي، ويأس المعارضين للتغيير من منع تطوير المناهج الدراسية، ولا سيما بعد التعديل والاختصار الذي طرأ على موضوع (الولاء والبراء) في الإسلام تجاه غير معتنقيه، في مقرر مادة التوحيد، وقّع في نهاية 2003 نحو 150 عالماً سعودياً، بينهم قضاة وأساتذة جامعة على وثيقة تحذر من تغيير المناهج التعليمية.
وعلى المستوى الخليجي قدم الملك عبد الله بن عبد العزيز وثيقة لإصلاح التعليم في منطقة الخليج في العام الماضي حين كان ولياً للعهد، والتي عقدت لأجلها ورشة عمل لمناقشة طرق تفعيلها في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، حيث ناقش أحد المتحدثين فيها، الباحث إبراهيم علوي، في معرض ورقته (مادة التطوير: منهج التفكير). وقال: إن المادة الموءودة في مسرح التعليم هي تدريب الطلاب على منهج التفكير، التفكير في حل المسائل التي ترد في الامتحان (من خارج الكتاب)، وبعد ذلك التفكير في حل المهام التي تلقى عليه في العمل، وفوق ذلك في المشاكل التي تزدحم بها طرقات الحياة عموماً، والأهم من ذلك التفكير في التحديات التي تفترش درب التفوق الحضاري.
وحسب ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية فالخلاصة الكبرى أن الحرب على (الإرهاب الإسلامي) تتطلب بالدرجة الأولى القيام بـ(الإصلاح الديني)، وهناك مجموعة من الكتاب العرب الذين يدعون إلى ضرورة القيام بإصلاح ديني عند المسلمين، حتى ندخل باب الإصلاح السياسي، ونلج عوالم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان..إلخ، ولكن حداثة وديمقراطية وحقوق إنسان بما يضمن المصالح الغربية، وهذه نقطة جوهرية وأساسية في ملف الإصلاح السياسي التي تتحدث عنه الولايات المتحدة دون أن يتم التنبيه إليها.
والحقيقة أن قراءة هذه المتغيرات يدفعنا لأن نتساءل مع ما ذهب إليه الكاتب المصري نبيل عبد الفتاح، حول مصداقية الحديث عن التجديد الديني أو إصلاح الخطاب الديني في الظرفية الراهنة بالذات، كما لو أنّ الأمر أصبح، في الحقيقة، مجرد مشروع لهندسة أمريكية للإسلام ديانةً وعقيدة وقيماً وقواعد وموجهات سلوكية وعملية؟ وأصبح المطلوب، على نفس الأساس، أن ننصاع لمثل هذا النمط من الهندسات الجديدة المطلوب إدخالها إلى المنطقة كجزء من خطابات الوعظ والتبشير السياسي الأمريكي لدى رموز الإدارة الأمريكية، أو ما يسمى اليوم بالرسالة الأخلاقية الأمريكية في المنطقة، والتي حسب المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج[10]، فإن هذه الرسالة تريد وضعاً للمرأة مشاركاً للرجل، وترفض دونية المرأة، وتعدد الزوجات، وترفض ما يسمى الحجاب. وتريد حرية تمارس لذاتها، وليس حصرها في الاجتهاد الديني فقط ضمن أرستقراطية العلماء، ولو كان مؤدى الحرية النظام العادل، فالحرية هنا مطلوبة بمنطلق ليبرالي متصل بالوجود الإنساني نفسه، وليس علاقته بالله سبحانه، بما يعني ثقافة اجتماعية جديدة وتثاقفاً فكرياً جديداً. وتريد تدوير رأس المال بمنطلق ليبرالي اقتصادي بما يستبعد ما تفهمه من نصوص في الربا المحرم أو زكاة، مع وقف عقوبات الجلد والصلب وقطع الأيدي، وتريد إخراج الإنسان التقليدي من أي بوتقة حصرية، وبالذات الدينية ليكون هو مرجع نفسه دون مرجعيات أو أصول مقدسة تمارس الرقابة عليه وتوجيهه إلى مستوى التفاصيل.
وكما لاحظ بدقة أحد الباحثين، فنحن فعلاً إزاء ظاهرة فريدة تاريخياً، إذ تحول سؤال التجديد الديني من مطلب داخلي تجسد على يد (الإصلاحية الإسلامية) من الاصطدام بالاستعمار، وعلى أساس الاشتباك مع العصر على قاعدة الإحساس بحركة التاريخ، ووعياً بالفجوات الماثلة في المعرفة الدينية، تحول إلى (مطلب) للاستعمار الجديد، ليغدو خطاب التجديد إرغاماً أيديولوجياً بعد 11 أيلول (شتنبر) 2001، يشكل (الإرهاب) وحسابات الأمن القومي الأمريكي زاوية مقاربته. هذا التحول المثير يفتح الجدل واسعاً حول أسئلة متعددة يمكن أن تثار أيضاً بخصوص تحول الديمقراطية إلى إرغام خارجي أيضاً. المشروع الأمريكي: تحديث الإسلام[11].
نحن نميز بين مجموعة من التحديات والإكراهات سوف نلخصها في هذين المنحيين:
- تحدي التجديد الديني.
- تحدي إعادة قراءة الآيات القرآنية.
قد يبدو الأمر مرتبطاً أو متداخلاً، ولكننا تعمدنا الفصل بينهما، لأننا بالفعل، نفرق بين تحدي التجديد المرتبط دوماً بحضور الأمة، والذي تحدث عنه حديث نبوي شريف، جاء فيه أن «الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»[12].
وبين أسباب هذا الترويج المشكوك فيه لما يسمى إعادة قراءة النص القرآني، كما تطالب بذلك مجموعة من المؤسسات والمراكز والأصوات العربية والإسلامية، والملاحظ أن العديد من هذه المؤسسات والأسماء ذات علاقات وطيدة مع مراكز غربية أو تقيم في دول غربية.