أنت هنا

قراءة كتاب العولمة والهوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العولمة والهوية

العولمة والهوية

كتاب " العولمة والهوية " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

المـقدمة

لا يخفى على الملاحظ لمسيرة المجتمع الإنساني أن لكل عصر روحه وهويته. روح العصر وهويته عنصران متلازمان، ويستمد كل عصر روحه وهويته من القوى التي ساهمت في صناعته. هذا إذا فهمنا تحت روح العصر القوى الفاعلة فيه، وتحت الهوية إيديولوجيا العصر. بهذا تختلف العصور باختلاف القوى الفاعلة فيها وهويتها، كأن يجري الحديث عن العصور الوسطى، بروحها الدينية، وعصر التنوير بروحه الفلسفية، والعصر الحديث بروحه القومية، وعصر العولمة بروحه اللبرالية.

الهوية معطى تاريخي متغير بتغير العصور، وتعرّف دائماً من خلال روح العصر والمجتمع. روح العصر روح اجتماعية، وقد تجلت بشكل ديني وقومي وما بعد قومي، بمعنى أن المجتمعات الإنسانية تحقق ذاتها وهويتها من خلال هذه القوى التاريخية المختلفة. ثمة انسجام بين روح الأمم وهويتها. لكل عصر هويته، ولا تنفصل هوية الأمة عن هوية العصر؛ فالانفصال يعني التخلف عن الزمان، والخروج من دائرة الفعل التاريخي.

وقد تجلّى هذا الانسجام في الدولة القومية الحديثة بوصفها تطوراً اجتماعياً طبيعياً، ينطلق من الأسرة وينتهي بدولة الأمة. الهوية تعبير عن التكوينات الاجتماعية التاريخية. وجدت الأمة نفسها في هويتها، وعرّفت نفسها من خلال خصوصيتها وتميزها. الهوية تعبير عن انسجام الجماعة مع مكوناتها التاريخية والاجتماعية، لكن هذه المكونات تتغير، وبتغيرها تتغير الهوية. ليست الهوية تكويناً ثابتاً، بل تاريخياً، ليس متغيراً فقط، بل صانعاً للتغير. الهوية تصنع التاريخ. أكثر من هذا، إن ديناميكية المجتمع وحيويته، تقاسان بمدى ديناميكية هويته. وخموله يقاس بجمود هويته؛ بقدر ما تكون المجتمعات خاملة، بقدر ما تكون هويتها ساكنة، وهذا ما نلاحظه على مستوى الهوية ما قبل الحديثة، أما الهوية التاريخية، فهي التي ترى في صنع الواقع تحدياً يومياً، وبقدر ما تصنع الهوية التاريخ، بقدر ما تتغير. هنا تبدو الهوية أقرب ما تكون إلى الإيديولوجيا، التي لا تتغير بتغير الواقع فقط، بل تتقدم الواقع، فهي ليست ملحقة بالواقع، بل الواقع ملحق بها. الهوية هي الانتماء إلى ثقافة وعقل وتراث وعلوم مجتمع وعصر ما، وعلاقة هذه الثقافة بالمجتمع.

وقد ظهرت في علم الاجتماع تعبيرات ومصطلحات كثيرة، قريبة من مفهوم الهوية، كمفهوم العقل الجمعي (دوركهايم)، وروح الشعب (Volksgeist) عند الكثير من علماء الاجتماع والفلاسفة. ويرجع معظم هذه المفاهيم والمصطلحات إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما كان المفكرون يرون أن دولة الأمة هي نهاية التاريخ.

الصفحات