قراءة كتاب تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة

تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة

كتاب " تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار الجليل
الصفحة رقم: 9

فلسطين في عهد العمارنة

في هذه الفترة كان هناك ما يسميه المؤرخون ب (عملية الإصلاح الديني في مصر) التي تزعمها أمنحوتب الرابع (1375 – 1350 ق. م.) الذي اتخذ لنفسه اسم (أخناتون) أي (محبوب الإله أتون)، حيث أن هذا الفرعون رفع من شأن عبادة (أتون) إله الشمس، وجعلها العبادة والديانة الرسمية للدولة. وقد بالغ بعض المؤرخين كثيرا في نوعية هذه العبادة القائمة على التوحيد (توحيد الإله أمون). حتى أن فرويد يرى أن ديانة موسى عليه السلام، التوحيدية مقتبسة عن ديانة أخناتون، ولا شك أن توحيد الله تعالى الذي جاء به موسى عليه السلام، يختلف كثيرا عن توحيد إله أخناتون.

وقد اعتبر كثير من المصريين في حينه هذه الديانة، بأنها (هرطقة دينية) خرافية بعيدة عن الصحة. وكان من شدة اهتمام أخناتون بهذه الديانة، أنه انصرف إلى تدعيم أسسها، فأهمل شؤون الإدارة المصرية في أرض كنعان، مما جعل السيطرة المصرية عليها ضعيفة، ويظهر ذلك جليا في رسائل تل العمارنة التي كان أخناتون طرفا رئيسا فيها.

ويظهر لنا أيضا من رسائل تل العمارنة، أن مدن فلسطين التي كانت تخضع للسيطرة المصرية، كان يحكمها حاكم مصري، أو يتولى أمرها حاكم معين من قبل الحكومة المصرية. ومثال على ذلك ما جاء في رسالة (عبدي هيبة) حاكم أورشالم التي تحمل الرقم (EA 288) حيث جاء فيها:”... ولكني أقول لسيادتكم بأني لست حاكما هنا، ولكني جندي في خدمة الملك، وصديق له، وقيّم على ضرائب أرضه، لا أبي ولا أمي من وضعني في هذا المكان، وإنما ذراع الملك القوية التي جاءت إلى بيت أبي...” وبالتالي كان على هذا الحاكم أن يقدر ذلك، ويعتبره مِنّةً وفضلاً من فرعون مصر، وعليه أن يظهر الخضوع و الخنوع الكامل له، وأن يتعهد بتنفيذ الأوامر الفرعونية كاملة وبسرعة. ويظهر ذلك جليا في إحدى رسائل الحاكم (ويديا) حاكم عسقلان حيث يقول:” للملك سيدي، إلهي، شمسي، الشمس في السماء، خادمك، غبار قدميك... عند قدمي الملك سيدي أنبطح سبع مرات وسبع مرات أخرى، وأتمرغ على بطني وظهري،...”وكما يقول (عبدي هيبة) في الرسالة التي تحمل الرقم EA 286:” رسالة خادمك عبدي هيبة. أسجد عند قدمي الملك سبع مرات وسبع مرات، أي خطأ اقترفته بحق سيدي الملك؟” وكما يقول (شوارداتا) ملك جت في الرسالة التي تحمل رقـم (EA 280) إلـى الفرعـون: “رسالة من شوارداتا، خادمك والتراب الذي يدوس عليه قدمك...”

وكثيرا ما كانت تقيم إلى جانب الحاكم حامية مصرية، تتألف في الأساس من جنود مصريين وكوشيين من أبناء النوبة المصرية، وكان عدد أفراد هذه الحامية محدودا جدا، كما يظهر ذلك جليا في المراسلات التي جرت بين حكام هذه المدن والإدارة المصرية. ف (بيريديا) حاكم مَجِدّو يطلب مائة جندي لوقف حصار (لابايا) ملك شكيم لمَجِدّو. وحاكـم أورشالم (عبد خيبا Abdkhiba ) يطلب خمسين جنديا فيقول:”... وعسى الملك أن يرسل لي حامية من خمسين جنديا لحماية الأرض، فكل أراضي الملك قد انشقت عليه...”. وكذلك حاكم جازر أيضا يطلب (50) جنديا فقط. كما يظهر من إحدى الرسائل مدى ضعف التسليح الذي كان مع هؤلاء الجنود، حيث يطلب أحد الحكام أن يرسلوا إليه ستة أقواس وثلاثة خناجر وثلاثة سيوف. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء الحكام كانوا لا يملكون في كثير من الأحيان إلا بيوتهم فقط.

ومن قراءتنا لرسائل العمارنة نجد أن الفراعنة في تلك الفترة كانوا يحجمون عن التدخل في شؤون الإدارة لكل مملكة بالكامل، فكان الحاكم وأتباعه يحكمون ويرسمون ويخططون كمـا يريدون، ولكن في النهاية تكون التبعية لفرعون مصر، مع الحفاظ على مصالح مصر السياسية والمادية والأمنية. كما تركوا للناس حرية العبادة الدينية التـي يريدونها.

وبشكل عام فإن رسائل تل العمارنة قد عكست حالة الوضع المضطرب التعيس، الذي كانت تعيشه الممالك الفلسطينية من الناحية الإدارية والمالية والعسكرية والسياسية. وأظهرت بشكل واضح التأثير الكبير الذي كان يمارسه (العبيرو) على هذه الممالك، وكيف أنهم نشروا الرعب والخوف في كل المناطق، وأن طلباتهم كانت واجبة التنفيذ عند أغلب الممالك. كما تظهر هذه الرسائل ضعف النفوذ المصري، وانهيار الإدارة المصرية في فلسطين.

وكان يقوم بدور الارتباط بين حكام الممالك الفلسطينية وفرعون مصر (وجهاء)، فيقال (وجيه مدينة لخيش، أو أكشاف، أو...)، يقول رد فورد Redford في هذا السياق:

“فقد كان يطلق على هؤلاء الوجهاء جميعا المصطلح الدارج في اللغة الأكادية العالمية في ذلك العصر خزنوتي، أي”المحافظون”والتي تساوي المفردة المصرية ختي Hty ،”المحافظ”أو حاكم بلدة مصرية. إن اعتبار الإدارة المصرية لوجهاء كنعان”محافظين”بالمعنى المصري يبين الكثير فيما يتعلق بمكانتهم ووظيفتهم وبأنهم كانوا يتحملون المسؤولية أمام التاج المصري.”(ردفورد، مصر وكنعان وإسرائيل في التاريخ القديم، ص 172).

الصفحات