كتاب " ثقافة مجتمع الشبكة " ، تأليف د. محمد أحمد صالح ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثقافة مجتمع الشبكة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ثقافة مجتمع الشبكة
الاختراع والابتكار
منذ البداية المبكرة لحياة البشر على الكرة الأرضية، تشكل عالمنا بسلسلة طويلة من الإبداعات التقنية أو
المستحدثات التكنولوجية، مثل: النار، العجلة، الزراعة، الآلة البخارية، الكهرباء، السيارة، الحاسوب، الإنترنت. ودخل الكثير من الطاقات التي يستعملها الإنسان لتطوير هذه التقنيات، التي تكون الحضارة التي نعيشها الآن. وخلقت هذه الإبداعات التقنية الكثير من الثروة - أحياناً للمخترع (ولو أنّه ليس في أغلب الأحيان)، وأحياناً للمبتكر - وهو الشخص الذي يأخذ الفكرة ويجعلها ناجحة تجارية - لكن في الغالب للمستعملين، والمجتمع ككل.
وجاء مصطلح innovation وهو المستحدث أو المبتكر على يد عالم الاقتصاد النمساوي، شومبيتر Schumpeter وهو يعني المنتجات الجديدة، العمليات والإجراءات والمعالجات الجديدة، نماذج البزنيس الجديدة. ويجب ملاحظة الفرق بين مصطلح الاختراع Invention وهو خلق الأفكار والمفاهيم الجديدة، ومصطلح Innovation وهو الابتكار أو الإبداع الذي يأخذ تلك الأفكار والمفاهيم التي اخترعت ويجعلها صالحة للتطبيق والممارسة، ويجعلها أيضاً ناجحة تجارياً. ونركز في تلك العجالة على المبتكرات أو المستحدثات التكنولوجية technological innovation ، والبعض يسميها الإبداعات التقنية، مع استثناء إبداعات الفن والأزياء.
أنماط المستحدثات التكنولوجية
حتى فترة قريبة، كانت طريقة نشأة المستحدثات وتشكيلها أو الإبداعات التقنية وطريقة انتشارها خلال اقتصاد معين، يعدُّ لغزاً محيراً للعلماء! لكن في الـ 20-30 سنة الأخيرة، بدأت دراسة المستحدثات على قاعدة منهجية منظّمة، وزادت معرفتنا بكيفية نشأة وانتشار المستحدثات، وقفزت بسرعة فائقة، ولكنها لم تصل أبداً إلى عامة الناس. واستمر التقدم المعرفي في هذا المجال إلى النقطة التي ميزت فيها العديد من الأنماط التي تفسر تلك العملية، وبدأت تُفهم بعض القضايا الهيكلية التحتية التي تحرك عملية نشأة وانتشار المستحدثات، يمكن أن تصنف أنماط المستحدثات التكنولوجية إلى ثلاثة أنماط رئيسية:
1 - مستحدثات تدريجية أو تزايدية.
2 - مستحدثات جذرية وراديكالية.
3 - مستحدثات تكنولوجيات الأغراض العامة.
فالمستحدثات تأتي في العديد من الأشكال والحجوم، والتصنيف الثلاثي المذكور ينظر إلى المستحدثات كأصناف صغيرة متوسطة كبيرة. فالمستحدثات التدريجية التزايدية تحدث تحسينات وإصلاحات صغيرة ربما لا تتعدى 1-2% في السنة. وتوصف عملية انتشارها وتبنّيها بمنحني التعلم، وبمصطلحات مثل التعلم بالعمل. ومثال على ذلك عمليات تطوير وتنمية قدرات الصناعات الكيماوية، ومثال آخر هو تطور قانون مور، فالتحسينات والتطورات في تلك النماذج مستمرة، ولكنها تمثل إحدى المناطق القليلة، التي يمكن أن تتوقع لها التحسينات المستقبلية باطمئنان. النوع الثاني من المستحدثات الإبداعية وهي الجذرية أو الراديكالية، وفيها تحدث وضعية جديدة تماماً، حيث تصل تقنية جديدة كلياً، وتزيح تماماً التقنية القديمة، مثل الترانزستور الذي استبدل بالأنبوب المفرغ، والقرص المضغوط الذي أزاح سجلات الألعاب الطويلة، وهذه التغييرات والتحسينات متقطعة وغير مستمرة، وكثيراً ما تسبب هذه التكنولوجيات الجذرية الكثير من التغييرات في القيادة الصناعية! والنوع الثالث هو تكنولوجيات الأغراض العامة، وهو الاسم الذي سك وصيغ لوصف المستحدثات الإبداعية الكبيرة جداً مثل النار، والسواقي أو عجل المياه، وطاقة البخار، وطاقة الكهرباء، ومحركات الاحتراق الداخلي، والسكك الحديدية، والإنترنت... إلخ. وهذه المستحدثات الإبداعية الكبيرة لها أربع خصائص تميزها: إحداث تأثيرات وإسهامات واسعة وعميقة، لها مدى واسع من الاستعمالات أو تملك تشكيلة واسعة من الاستعمالات، وإمكانياتها وطاقاتها تظهر في مجموعة واسعة ومتنوعة من المنتجات والعمليات والمعالجات، وأخيراً تعتمد بقوة على التكامل مع تكنولوجيات أخرى عديدة.