كتاب " ثقافة مجتمع الشبكة " ، تأليف د. محمد أحمد صالح ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثقافة مجتمع الشبكة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ثقافة مجتمع الشبكة
الفصل الأول
موجات التكنولوجيا: من النار حتى الإنترنت
منذ حوالي 27 عاماً، يعني ربع قرن ويزيد، في خريف عام 1976، تحدّى دكتور كينيث بودينج Dr. Kenneth Boulding مجموعة العلماء في جامعة ولاية آيوا بالتصريح الاستفزازي التالي:
«عوامل الإنتاج لم تعد هي الأرض، والعمل، ورأس المال. وإنّ عوامل الإنتاج هي مبادرات الأعمال الحرة، وتتكوّن من المعلومات والإبداع. وهكذا فإن عوامل الإنتاج في عصر الاقتصاد الجديد هي المعلومات والإبداع .(information and creativity) واختلف معه مجموعة العلماء، وبعضهم اختلف معه بقوة! ويعتقد أن دكتور بودينج وهو الاقتصادي العالمي، كان يعطي تصريحات جريئة، لجذب ردود فعل جمهور الحضور! ولكنه بالطبع كان جاداً في تصريحه! وأخذ يثبت بالدلائل والأرقام والأمثلة لحالات عالمية صحة مقولته، ووصل به الأمر إلى إثبات أن المعلومات نفسها لم تعد عاملاً محدداً لمعادلة الإنتاج، وأن الأفكار المبتكرة، والمستحدثات التكنولوجية أصبحت هي عامل الإنتاج المحدد!
الأفكار الجديدة
إن المعارك الكبيرة التي خاضتها البشرية لم يكن سلاحها السيف بل الأفكار التي تغلغلت في حياة الناس، وظهرت في صورة تطوير اجتماعي، فالتغييرات التي تحدثها الأفكار المستحدثة في سلوكيات الناس لا تحتمل الشك، والأفكار العظيمة تملأ الفضاء حولنا، ولكنها لا تستقر إلا في العقول المهيأة لاستقبالها، واستقبالنا للأفكار الجديدة ليس عملاً عفوياً أو طارئاً، وإن كان يظهر كذلك أحياناً، فطبيعة الفكرة هي في ذاتها عامل أساسي من العوامل التي تحدد موقفنا حيالها. والمشكلة دائماً هي إعادة التفكير في الأفكار التي نؤمن بها من قبل، لأنه لا يوجد شيء جديد تحت الشمس.
ودائماً العقول العظيمة تناقش الأفكار، والعقول العادية تناقش الأحداث، في حين أن العقول الضيقة هي التي تناقش أفعال الناس، ومن أعظم الآلام التي تعاني منها الطبيعة البشرية هي آلام خروج الأفكار الجديدة التي تعني دائماً التغيير.
والفكرة الجديدة أو المستحدثة، هي أي شيء يدركه الفرد على أنه جديد، بمعنى يسمع عنه لأول مرة، وليست العبرة في وقت اكتشاف الفكرة أو الخبرة، إنما العبرة في إدراك الفرد لها عند سماعها، فكلما كانت الفكرة والخبرة جديدة في نظر المستمع أو الذي يراها لأول مرة فإنها تعد شيئاً بالنسبة إليه، سواء كانت تلك الفكرة تتناول مضموناً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو تكنولوجياً... إلخ.
موجات التغيير التكنولوجي
الموجات
الملمح
الأساسي
وسائل
الإتصال
مصدر الطاقة
المميز
العامل المحدد
الموجة الأولى الفترة بين عام 1780 حتى عام 1840
الثورة الصناعية
الطرق البرية والقنوات المائية
الطاقة المائية
زراعة وتجارة وصناعة القطن
الموجة الثانية بين عام 1840 حتى عام 1890
طاقة البخار والسكك الحديدية
التلغراف والسكك الحديدية
قوة البخار
صناعة الحديد والفحم
الموجة الثالثة بين عام 1890 حتى عام 1940
الحديد الصلب والكهرباء
التليفون والسكك الحديدية المصنوعة من الصلب
الكهرباء
صناعة الصلب
الموجة الرابعة بين عام 1940 حتى عام 1990
الانتاج الضخم الشامل
الطرق السريعة والراديو ، والتلفزيون ، وشركات طيران
البترول
صناعة النفط والبلاستيك
الموجة الخامسة هي الفترة بين 1990 وحتى الآن هي مستمرة
الإلكترونيات الدقيقة وشيكات الكمبيوتر
الشبكات الرقمية
النفط والغاز
صناعة الإلكترونيات الدقيقة
والعالم مرَّ بعدة موجات متتالية ومتعاقبة من المستحدثات الإبداعية التكنولوجية التي أحدثت تغييراً عميقاً! واتفق الاقتصاديون على وجود موجات طويلة «من التغيير أو دورات كوندراتيفيه Kondratieff cycles ، وتدوم الدورة الواحدة نحو نصف القرن! وهذه الموجات لها فترات كساد متعاقبة، وفترات تحسّن ونمو ونضج، تعتمد على تنمية وتطوير وانتشار كتل المستحدثات الإبداعية التكنولوجية. وتبدو تلك الموجات في المراحل المبكّرة أنها ذات اتجاه صاعد، يقوده بشكل كبير علم الإلكترونيات الدقيقة وشبكات الحاسوب.
وأول هذه الموجات كانت في الفترة بين عام 1780 حتى عام 1840 (ثمانينات القرن الثامن عشر حتى أربعينات القرن التاسع عشر) وهي الموجة الأولى المبكرة من التغيير التكنولوجي، وكان ملمحها الأساسي الثورة الصناعية، وانحصرت وسائل اتصالاتها في الطرق البرية والقنوات المائية، ومصدر الطاقة المميز لتلك الفترة كانت الطاقة المائية، والعامل المحدد لتلك الموجة كان القطن زراعة وتجارة وصناعة.
ثاني موجة تغيير تكنولوجي مرّ بها العالم، كانت في الفترة بين عام 1840 حتى عام 1890 (أربعينات القرن التاسع عشر حتى تسعينات نفس القرن)، وملمحها الرئيسي هو طاقة البخار والسكك الحديدية، وانحصرت وسائل اتصالها في البرق والسكك الحديدية، ومصدر طاقتها كانت قوة البخار، وكان العامل المحدد في هذه الموجة هو صناعة الحديد والفحم وموجة التغيير التكنولوجي الثالثة، هي الفترة بين عام 1890 حتى عام 1940 (من تسعينات القرن التاسع عشر حتى أربعينات القرن العشرين) وكان ملمحها الحديد الصلب والكهرباء، ووسائل اتصالها الهاتف والسكك الحديدية المصنوعة من الصلب، ومصدر طاقتها الكهرباء، والعامل المحدد في تلك الفترة كان صناعة الصلب.
موجة التغيير التكنولوجي الرابعة، هي الفترة بين عام 1940 (أربعينات القرن العشرين حتى تسعينات القرن نفسه)، وملمحها الأساسي كان الإنتاج الضخم الشامل، وانحصرت وسائل اتصالها في الطرق السريعة والمذياع والتلفاز، وشركات طيران، ومصدر طاقتها المميز كان البترول، وكانت صناعة النفط والبلاستيك هي العامل المحدد في تلك الفترة.
موجة التغيير التكنولوجي الخامسة هي الفترة بين 1990 وحتى الآن (منذ تسعينات القرن العشرين وحتى الفترة التي نعيشها في بدايات القرن الحادي والعشرين، وهي موجة مستمرة من التغيير لحين إشعار تكنولوجي جديد في المستقبل) هذه الفترة تميزت بملمح رئيسي هو الإلكترونيات الدقيقة وشبكات الحاسب Micro - electronics computer networks ، وسيلة اتصالها الرئيسية حتى الآن هي الشبكات الرقمية، ومصدر طاقتها المميز حتى الآن هو النفط والغاز، والعامل المحدد في تلك الموجة التي نعيشها الآن هي صناعة الإلكترونيات الدقيقة. والله أعلم بما يحمله لنا مستقبل الإبداعات التكنولوجية في الخمسين سنة القادمة!