كتاب " حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
أنت هنا
قراءة كتاب حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر
6- الكلمة تفقد فعاليتها حين تفقد حريتها
حرية الكلمة، حرية النشر، حرية التعبير، حرية التفكير.. الحرية بكل معانيها وأبعادها؛ جوهر المشكلة، ومكمن الداء.
تولد الكلمة حرة، لا تطيق القيود، ولا القماقم، ولا القوالب الجاهزة، فإن لم تستطع الإفلات من قيدها تموت. - والكلمة تعبير عن فكرة، والفكرة كائن حي يتكاثر بالتعدد وبالتنوع وبالتزاوج، أما الفكر الأحادي فهو عقيم لا ينجب. وبارقة الحقيقة لا تنقدح إلا باحتكاك الأفكار وتصادمها، مثل السحاب.. - والفكرة إبداع، والإبداع تجديد، والتجديد تجاوز للمألوف، وتجاوز المألوف مخالفة، والمخالفة تحدٍّ، والتحدي يستدعي الآخر، والآخر تعدد، والتعدد يثير التصادم، ومن التصادم ينبعث الرعد والبرق، صوتاً يخرق الصمت، ونوراً يضيء ظلام الطريق، ويبعث على الحركة، والحركة حياة، والحياة كتاب.
والفكرةُ إضافةٌ إلى فكر الآباء.. والجيل الذي لا يقدم إضافـة إلى فكر الآباء ويقول: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة: 5/104] جيل عاطل إمعة، لن يأبه به التاريخ، وسيتخطاه إلى جيل أكثر فعالية.. والآباء الناجحون هم الذين يوفرون لأبنائهم المناخ الملائم للإبداع، ولا يقفون عثرة في طريق تقدمهم.. تلك سنة الحياة التي نرى أروع صورة لها في مناجاة إبراهيم لأبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا *} [مريم: 19/43] .
وإنما تؤتى الأمم من قبل أفكارها، فلئن كان واقع كل أمة إنما هو حصاد ما تحمله من أفكار، وما تتشبث به من مفاهيم، فإن عليها أن ترفع وصايتها عن المجتمع، وعلى شبابها أن يبحثوا عن سبل تقدمهم في الممنوعات { إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ [ من أوضار] حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [ من أفكار]} [الرعد13/11].
كل الأنبياء والمصلحين جاؤوا بالتغيير، وأُدرجت أفكارهم في قائمة الممنوعات، وصُكت الآذان عن سماعها، فصبروا، وتذرعوا بالحجج والبينات، فكانوا أئمة التغيير.