كتاب " الليلة الخالدة " ، تأليف الشيخ عبد الكريم تتان ، والذي صدر عن
قراءة كتاب الليلة الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وعرضت الأمم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي والنبيان يمرون، ومعهم الرهط[59]، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع له سواد عظيم في الأفق، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ أهذه أمتي؟ فقيل له: هذا موسى وقومه. ثم قيل له: انظر إلى الأفق، فإذا سواد عظيم قد رفع، ثم قيل: انظر ههنا، وههنا، في الآفاق، فإذا سواد يملأ الآفاق، فقيل له:
- هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب، وهم الذين لا يسترقون[60]، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون.
وتلقت الملائكة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشر والسرور، فما منهم أحد إلا ضحك إليه، ودعا له، وقال خيراً، إلا ملكاً قال مثل ما قالوا من غير أن يبش أو أن يضحك. قال صلى الله عليه وسلم:
- يا جبريل! من هذا الملك الذي لم أر منه البشر مثل الذي رأيت منهم؟! فقال:
- أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك، أو كان ضاحكاً إلى أحد بعدك، لضحك إليك، ولكنه لا يضحك، هذا مالك خازن النار[61].
ثم اطلع صلى الله عليه وسلم على النار، كان قد أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره، ولو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه، ولو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى[62]. ورأى صلى الله عليه وسلم في النار رجلاً أحمر أزرق، فقال:
- "من هذا يا جبريل؟!" قال:
- هذا عاقر الناقة[63].
ثم صعد جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم حتى أتيا السماء الثانية . فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح لهما فدخلا، ولما خلصا إلى السماء الثانية إذا بابني الخالة: يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام. فقال جبريل:
- هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلم عليهما فردا التحية، ثم قالا:
- مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. كان عيسى - عليه السلام - بجسده وروحه في السماء، كأنما يتحدر الجمان من لحيته[64]، كان عريض الصدر، يعلو وجهه حمرة، وشعره شقرة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي.
ثم صعدا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح لهما الباب فدخلا، ولما خلصا إلى السماء الثالثة إذا هما بيوسف، الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن[65]. قال جبريل:
- هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال:
- مرحباً بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ودعا لي بخير.
ثم صعدا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح لهما الباب فدخلا، ولما خلصا إلى السماء الرابعة إذا بإدريس، قال جبريل:
- هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال:
- مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ودعا لي بخير.
ثم صعدا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، وفتح لهما الباب فدخلا، فلما خلصا إلى السماء الخامسة إذا هما بكهل أبيض اللحية، عظيم العثنون، "لم أر كهلاً[66] أجمل منه" قلت:
- من هذا يا جبريل؟ قال:
- هذا هارون المحبب في قومه، فسلم عليه، فسلمت، فرد ثم قال:
- مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ودعا لي بخير.
ثم صعدنا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل. فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح لنا الباب فولجنا، ولما خلصنا إلى السماء السادسة إذا نحن بموسى عليه السلام، قال جبريل:
- هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد علي ثم قال:
- مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ودعا لي بخير. ولما تجاوزته صاعداً بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي.
ثم صعدنا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ولما خلصا إلى السماء السابعة إذا هما بإبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه. قال جبريل:
- هذا أبوك إبراهيم، فسلم عليه، فسلمت، فرد وقال:
- مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم سار الركب الكريم حتى دخل الجنة، فإذا فيها جنابذ[67] اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك[68].
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنقل في جنباتها إذا به يسمع صوتاً خفيفاً، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال المؤذن[69]. وعرض له صلى الله عليه وسلم نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ، ومجراه على الدر والياقوت، وتربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "ما هذا؟" قال جبريل:
- هذا الكوثر الذي أعطاكه الله تعالى. فضرب صلى الله عليه وسلم بيده إلى طينه فاستخرج مسكاً[70].
وفي حديث عبد الله بن مسعود: "......حتى إذا دخل الجنة، فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فرأى على بابها مكتوباً: الصدقة بعشرة أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقال: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟"[71] قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يسأل إلا من حاجة. فاستقبلته جارية فقال: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لزيد بن حارثة، ورأى الجنة من درة بيضاء، وإذا فيها جنابذ اللؤلؤ[72] فقال: يا جبريل! إنهم يسألونني عن الجنة، فقال: أخبرهم أنها قيعان ترابها المسك.
فسار فإذا هو بأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وإذا رمانها كالدلاء، وفي رواية: فيها رمان كأنه جلود الإبل المقنبة، وإذا بطيرها كالبخاتي[73]. فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله! إن تلك الطير لناعمة! قال: أكلتها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكل منها[74].