أنت هنا

قراءة كتاب لماذا تموت العصافير في بلدي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لماذا تموت العصافير في بلدي

لماذا تموت العصافير في بلدي

كتاب " لماذا تموت العصافير في بلدي " ، تأليف راوية أباظة ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

أحلام

كان علي قد سئم من الدراسة في أصيل ذاك اليوم الجميل من أوائل الربيع، بعد انقضاء عطلة نصف السنة الدراسية، وبعد أسبوعين قضاهما في استجمام كسول وأيام مملوءة باللهو والمتعة، فألقى الكتاب على الأريكة ومضى يتجول في حديقة الدار الواسعة الجميلة التي ما يزال الجنائني يعنى بها وبحيواناتها.

توقف عند الأقفاص الأنيقة التي اشتراها والده، وحبس فيها حيوانات متوحشة، نمراً شرساً، وضبعاً مخيفة، وأفاعي سوداء وملونة.. إلى جانب كلاب الصيد والحراسة.

كان يعجب من هذه المخلوقات المفزعة، كيف اجتمعت في هذا البيت، كأنها في غابة، لكنها غابة مضبوطة، ليس فيها عدوان. وتساءل: ماذا لو أفلت النمر من قفصه، أو هربت الضبع، أو تسللت الأفاعي!؟

نظر إلى النمر الرابض في عظمته.. حدق في عينيه، فبادله نظرات فاترة، ثم أدار له وجهه، وتثاءب فاتحاً فمه إلى أقصاه من شدة الكسل والملل، فبدت أنيابه الكبيرة والصغيرة كلها، مخيف حقاً هذا النمر، يأكل بنهم ولا يشبع... يقدم له العم عمران طعامه كل صباح ومساء دجاجتين كبيرتين نصف مسلوقتين، وفي المساء مثلهما.. يقذفهما إليه، فيتناولهما بنهم.. يبتلعهما مستمتعاً، ثم يجلس في مربضه يتمطى.

وكان عمران يقوم على الحديقة خير قيام بأشجارها ونباتاتها، يحدب عليها، تورق بين يديه، يعرف كل ما فيها من نبات، ويعلم فوائدها وأضرارها، لأنّه عشّاب ماهر، وجنائني خبير. يزرع لهم زهرات نادرة تحبها أمه، تستمتع بها، وتغلي بعضها شراباً طيباً منعشاً أو مهدئاً أو مسكنّاً.

وتساءل متعجباً: لماذا يحب أبوه هذه الحيوانات المتوحشة؟ لماذا لا يربي الحيوانات اللطيفة، الغزلان الرشيقة، والقرود المضحكة، والأرانب المسلية، والطواويس المعجبة بنفسها.. والبجعات الفخورات؟!.

وأحس بنفور من أشكال ما يرى... يكرهها، ويحب العصافير بشكل خاص... عصافير الحب التي تدخل إلى نفسه البهجة. يربيها هناك في أقفاصه الخاصة على الشرفات الأمامية من الدار.. تؤنس نفسه.. ونفس أمه اللطيفة.

أبوه يشبه هذا النمر الرابض.. كلا بل هو أعظم بكثير. هذا نمر حبيس، لا يقدر على فعل شيء، أما أبوه فيخيف الناس.

أساتذته في المدرسة يعاملونه معاملة خاصة من أجل والده، وكذلك المدير الذي يزدري الطلاب ويقسو عليهم، يتغاضى عن شقاواته كلها ومخالفاته، ويغفر له إساءاته المتكررة. حتى الطلاب، فإنهم يهابونه من أجل أبيه، يتهامسون من حوله بحذر.. أبوه شيء عظيم.

ومشى في الحديقة يتأمل الخدم، ينظفون حوض السباحة، ويكنسون أرض الملعب، ويقلمون الأغصان اليابسة، ويقصُّون الحشائش. وتاقت نفسه إلى معاونتهم. ولكنه تذكر أنّ أباه حذره الحديث إلى الخدم أو ملاطفتهم.. وكان يطلب منه دوماً استعمال الأوامر معهم، وخطابهم باستعلاء.

قال في نفسه: سأكون مثل أبي، مسؤولاً كبيراً.. مملوءاً قوة وعزماً... يزرع الخوف في النفوس. فيتحدث الناس إليه بحذر.

وفجأة وبينما هو يتمشى مع تساؤلاته وأفكاره وتأملاته إذ أحس بيدين تغمضان عينيه، وشخص من خلفه يضغط عليهما بمحبة، وكأنه يسأله:

- احزر من أنا؟

عرف صاحب اليدين.. وصرخ:

الصفحات