كتاب " بائع الهوى " ، تأليف حكيم بن رمضان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب بائع الهوى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بائع الهوى
-2-
المحتويات: ماء وشعير وذرة وسكر وجنجل وملوّن كارامال، بالإضافة إلى حامض اللكتيك وملح الكالسيوم ومثبّت الكراجينات وأنزيمات الاملاز ومضاد الأكسدة وبيروسيلفلت البوتاسيوم. كل ذلك كتب أسفل قارورة الجعّة ذات الزجاج الأخضر. فوق الطاولة المبللة بماء الشعير المخمّر قارورتان وكأس واحدة وصحن من الفول المدمّس. كان حيدر قنديل مع صديقه شادي أبو العلى يلعبان البلياردو داخل حانة تطلّ على شاطئ البحر.
هما شابان لا يبدو عليهما تجاوز العقد الثالث من العمر، ولكنهما تجاوزاه. كان حيدر وشادي صديقين لا يفترقان أيام المعهد ولكن الكليّة فرقت بينهما، فقد درس شادي الموسيقى، ولكن البيرة المبرّدة لا تزال تجمعهما. كانا يرتشفان مذاق النبيذ المعتّق بزهو وهما يقرعان الكأس بالقارورة، ذلك أنّ حيدر لا يحبّذ الشرب من الكأس.
- الشر كله في بيروسيلفلت البوتاسيوم هذا. يا شادي.
- وما هو ذاك؟
- لا أدري، ولكن لم يطمئن له قلبي حينما قرأته على القارورة.
رفع حيدر قارورته وأشار إلى ذلك الاسم الغامض وأخذ يشرب ما تبقى في قاعها، وحينما يضعها كانت تسيل فقاعات النبيذ منها فيدركها بلسانه ويلتهم الفول من الصحن ويقول لصاحبه يمازحه:
- لو احتوى الفول على بيروسيلفلت البوتاسيوم هذا لحرّمه علينا شيوخ جامع الزيتونة.
- حيدر هل أنت سكران؟
- بل عطشان. لقد جفّت القوارير والحناجر.
يشير حيدر إلى النادل بإصبعيه ليطلب قارورتين من النبيذ المبرّد، وقد كان هو من يتكفل منذ قدومهما في ذاك المساء الربيعي بطلب المشروب كأنه يملي على صديقه مسايرته في الشرب... كأن هذه الليلة هي ليلته.
- ما بك الليلة؟ هل تريد أن تسكر؟
- أسكر؟ أنا أسكر؟... أنا... أنا... أنا أشرب دجلة والفرات ولا أسكر... و... وأبتلع النيل برمّته ولا ينطق لساني بالمنكر... وقد ظننت... وقد حسبت حبها ديناً... وقبلتها خمراً وأفيوناً أو أكثر... لكني نسيت ملامحها ولون بشرتها وسحر عينيها ومذاق نهديها... و... حتى اسمها... ما عدت أذكر.
كان النادل حينها على مقربة منهما وسمع ما دار بينهما من حديث فحمل إليهما القارورتين وشاركهما الحوار. التواصل في الحانة لا يحتاج إلى تكلف، ويحلو الحوار فيها بين الناس لأنّ الكلام يكون مخموراً، وكل حديث السكير يصير مباحاً. علّ الحانة صارت المكان الأخير للحوار، وعلّ هذا المكان المحرّم أصبح ملاذاً للتعبير المباح. قدّم النادل المطلوب، وكان اسمه "عاشور"، والتفت إلى حيدر يمازحه.
- بعد القارورة العاشرة صرت تنطق شعراً، لكن بعد هذه فلن تنطق أبداً.
- أعطني، يا عاشور، جعّة نظيفة أعطك قصيدة نظيفة. (كأنه جاد في قوله).
- أشتري منك قصيدة لو هجوت حماتي. (ضاحكاً).
- أما هذه فلا. فأنا أبيع الحب وأبيعه بالمجان. أنا أبيع الهوى. (باسماً).