كتاب " أما بعد " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، أما بعد هي أول روا
أنت هنا
قراءة كتاب أما بعد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت من أجمل الفتيات اللواتي قابلتهن، كنت أشعر بارتعاش في قلبي عندما أراها، وحياتي كلها عشتها كرحلة بحث عنها، كل ما فعلت ومررت به في حياتي كان له علاقة بها، تعلمت الكتابة والقراءة لأكتب لها، ورغم اكتشافي أنها لا تقرأ ولا تكتب، إلا أنني استمررت بالكتابة لها، نقلت لها أشعاراً، وكتبت لها وجداً وعشقاً، وأوغلت في حالة الحب حتى ظنتني والدتي مريضاً، لم أكن أعرف ما كان ينتابني، لم أعرف ماهية شعوري وتفكيري، لكن كان هناك شيء سحري وغامض يستحوذ علي، كانت حالة من الفتنة والخبل، كان شعوراً بعصرة حادة في القلب، ومرارة تفقد الشهية وتؤدي إلى الهزال، شيء يشبه الجنون والهلوسة، التي تجعلني أراها أمامي، حتى ظننت في البداية أنها جاءت إلى بيتنا بالفعل، ثم ظننت أن لديها قدرة خارقة للانتقال عبر الحوائط، دون أن يراها أحد.
لصبي يبلغ العاشرة من عمره، كان أمراً مخيفاً ومقلقاً وغامضاً، كان غريباً وعصياً على التفسير لعقلي الصغير، لم يكن فيّ شيئ محايد، كنت أشعر بحزن أسود وهي بعيدة عني، وكنت أكاد أطير فرحاً عندما أراها، أو عندما كانت تبتسم لي، كان شيئ ما يمنحني قوة كبيرة وطاقة هائلة، بمجرد رؤيتها، لكن الغريب أن الشعورين الحزن والفرح كانا يشتركان بأعراض فقدان الشهية، حتى احتارت والدتي بحالتي.
كنت قبل أن أتعرف بموسى، أجلس قبالة البحر وأضع بقجتي بقربي، وأحدق بالبحر الذي كان لا يعكس إلا وجهها، كنت أظل ساعات ساهماً غائباً عن الواقع، حالماً بعينيها الواسعتين، كان البحر وما زال مرتبطاً بها، وعندما أعود إلى المنزل، كان والدي يعنفني ويضربني أحياناً لأنني لم أبع قطعة قماش واحدة، ويقارنني بأخي الأكبر:
- أخوك يأتي بالبقجة خالية، وأنت تأتي بها كما أخذتها.
كان أخي سليمان يكبرني بأربع سنوات، وكانت لدينا نعال نجدية واحدة، كان والدي يعطيها لمن يبيع أكثر من قطع القماش، حتى يحمس المنافسة بيننا، ولا أذكر أنني لبستها إلا عندما ينام أخي، فقد كنت بائعاً متجولاً فاشلاً وخائباً، وكلما فشلت ازددت ضعفاً وإحباطاً وبقيت حافياً، لكن في الشتاء كانت والدتي تلف قطع قماش على قدمي، وخصوصاً في موسم الأمطار.
وفي يوم حاصرني صبيان أكبر مني سناً، وجروني من جديلتي وضربوني ورفسوني، وسبوني:
- كافر ..نجس.
وسرقوا البقجة مني، وانطلقوا هاربين، في ذاك اليوم حمتني أمي من غضب والدي الذي كان يشد على قبضتيه وأسنانه:
- ما ذنب يعقوب؟ هؤلاء الشياطين الذين لا يخافون الله هم من يجب أن تصب غضبك عليهم، أنت تعرف وضعنا جيداً، وأنت نفسك تتعرض للمشاكل والإهانة.
رد عليها بالغضب نفسه:
- من قال لك إن الدنيا عادلة معنا، لكننا يجب أن نكسب عيشنا، ولا نتهاون به.
وذهب أبي إلى أحد كبار الحي، واشتكى له مما حدث، ووعده الرجل خيراً، وفي المساء عاد الرجل ببعض قطع القماش، وأعطاها لأبي قائلاً:
- هذا ما استطعت الحصول عليه، وتم عقاب الأولاد.