كتاب " أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث " ، تأليف عطا عبد الوهاب ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
قراءة كتاب أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث
شجون كانت مؤجلة
محمود صبري··· والاغتراب المبكر
يوسف العاني
الحديث عن الفنان محمود صبري، عذب وحميم وأليف - كما هي شخصيته، رقة ووداعة وهدوء·
الغريب فيه - كما الحديث عنه - أنه ومنذ أيام الشباب المبكر، حيث التقينا في الثانوية المركزية ببغداد عام 1944، وكنا في الرابع العلمي بصف واحد وشعبة واحدة -أ- أنه لم يكن يحمل حماسة أو (وكاحة) شبابيتنا···
كل الطلبة في واد ومحمود في واد آخر: (عاقل) أكثر من اللازم، (مؤدب) أكثر من المطلوب منه! ومجتهد طبعاً· كان حالماً في أحيان كثيرة·· وحلمه مغروس في ذاته لا يكشف عنه- كما نفعل نحن·
كان أفضل طالب في الرسم، لا في صفنا وحده بل في المدرسة كلها، وكان محط اهتمام وانتباه مدرس الرسم (عطا صبري)، وكنت أنا أسوأ طالب في الرسم!··· لكنني كنت في مجال النشاط الاجتماعي وفي مجال التمثيل بالذات عنصراً نشيطاً وبارزاً···
كان محمود يرسم لي بعضاً مما يطلب منا رسمه·· وأقوم أنا بـ(خربطة) الرسم كي لا يكشف من رسمه، وأنال على العمل -بعد خربطته- 90 من 100
من خلال هذا الشجن والحديث عن مرحلة عشتها مع محمود وبقية الطلبة، لا بد من الإشارة إلى طبيعة النشاطات التي كانت تمارس من قبلنا، بعد الانتهاء من الدراسة المقررة، والتي كانت تسمى: بـ(النشاط اللاصفي) في المدرسة· كانت هناك جمعيات عدة هي: الرياضة، الرسم، الموسيقى، جمعية العلــوم··
كان خلوق أمين زكي المهيمن على النشاط الرياضي، وكنت أتدرب معه على (الملاكمة)، وجمعية الموسيقى والرسم بإشراف (عطا صبري) مدرس الرسم· ويدير النشاط الموسيقي الطالب (حمدي قدوري) الذي يدرس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة، ويسمعنا عدداً من السمفونيات لبتهوفن ولموسيقيين آخرين، ومنه عرفت أن لبيتهوفن تسع سمفونيات أهمها التاسعة، أما جمعية العلوم·· فمن خلال نشاطها قدمت أول مسرحية لي في 24 شباط عام 1944·
محمود كان منصرفاً لقاعة الرسم وما يعرض فيها·· وكان متحمساً لما تقدمه جمعية الموسيقى·· كان الوقت عند الطالب مليئاً بفعاليات يحبها ويعبر عنها، من خلال نشاط مفيد يساهم إلى حد بتكوين شخصيته·· وحين انتهى العام الأول من دراستنا·· أخبرني محمود أن هناك نشاطاً آخر خلال العطلة للعمل أعضاء في جمعية مكافحة الأمية·· وتحمست وكان معنا -كما أتذكر- محمد العبلي، حافظ التكمة جي، وأديب جورج·· وطبعاً محمود صبري·· وكان نشاطاً بقينا نتباهى به لسنوات طويلة، فهو يمثل مرحلة متقدمة في ممارسة واعية ومتقدمة لنشاط ثقافي ساهمنا فيه·
أنهينا الدراسة الثانوية، وكل منا راح في مجال·· أنا بعد فشلي في دخول الكلية الطبية لأسباب صحية! وعدم استطاعتي الاستمرار في الجامعة الأمريكية ببيروت· كانت كلية الحقوق المجال الذي توجهت إليه، محمود سافر إلى إنكلترا لينال دبلوماً في العلوم الاجتماعية·· لكنه كما علمت انصرف إلى حد كبير لفن الرسم هناك؛ ليشارك في معارض جمعية الرواد ببغداد منذ عام 1949، وقد برز محمود بطابع فني متميز ومثير للانتباه·· فقد تميزت أعماله بالوعي الاجتماعي والإنساني، فرسم التمرد ومعاناة الإنسان، وأبرز الفقر والفيضانات والمظاهرات·· وامتازت شخوصه كما عبر عنها الفنان نزار سليم بالضمور والصرامة·
محمود كان أنموذجاً لفن ثوري نبيل وعميق··
في ذلك الزمان·· وفي مرحلة زاهية لبدايات مبدعة·· في الفن التشكيلي وفي الموسيقى والشعر والمسرح، كان محمود صبري وبيته الجميل محطة لشباب يبحثون عن الجديد في المعرفة·· لقاءات غنية بالمسؤولية والمحبة والحماسة·· وعمل متواصل كل في مجاله الفني والثقافي·· كنا مع كل جهد وإنجاز نقوم به، نقيم لقاء فرح حضاري يظل متعة وتعبيراً عن سعادة الإنجاز··
بالنسبة لي كان بيت محمود بيتاً ثانياً لي·· أنجزت فيه أحلى الأعمال الفنية في كتابة أكثر من مسرحية·· أو نقد سينمائي·· كنت أتبادل الرأي معه فيه، وكان يتحمس لي بشغف كبير··
حين عرض فيلم (شهوة الحياة) عن الرسام (فان كوخ) أردت أن يكون النقد أشمل من رؤية سينمائية للفيلم، فهيأ لي محمود معلومات قرأتها بل درستها عن المدرسة الانطباعية في الرسم وأسباب ظهورها·· وملامح فنانيها اقتراباً واختلافاً·· ليظهر النقد متميزاً وغير تقليدي··
محمود وبيت محمود أو عائلته كان مجمعاً لثقافة ذلك الزمان، ومنطلق نشاطاتها داخل الوطن وخارجه· وافترقنا قبل عام 1958 وعدنا أكثر ألفة وأعمق قرباً·· لأكون في المسؤولية مديراً عاماً للسينما والمسرح، ويتولى هو مسؤولية مدير عام لمصلحة المعارض·
المؤسف اليوم حقاً أنني، وحين مررت بمعرض بغداد وقد هدم وحرق وسرق!·· لا أدري لماذا تمثل أمامي محمود··! لكنني أستذكر اليوم الأول لافتتاحه بعد عام 1958 حيث كان محمود المسؤول الأول·· وكنت أنا مشرفاً على النشاط السينمائي، حيث أنتجت مصلحة السينما والمسرح أول فيلم وثائقي لها عن (جواد سليم)، كتبنا السيناريو أنا وجبرا إبراهيم جبرا، وأخرجه فكتور حداد··!
عام 1962 غادر محمود صبري العراق·· حيث شغلته نظريته الجديدة (واقعية ا لكم)·
يقول محمود: (إن الفنان يجب أن يشترك مع العالم من جديد··)·
ويقول: (الفنان في الواقعية التقليدية ساحر، لكن الفنان في واقعية الكم·· عالم!)·
هدف الإنسان في الواقعية الاعتيادية الائتلاف مع الطبيعة، وهدفه إعادة خلقها، فالفن في الواقعية حقل النشاط البشري، أما في واقعية الكم، فإن كامل النشاط البشري سيصبح فناً··!
إن الواقعية العلمية الجديدة ستكون من ناحية الشكل فقط شبيهة بالفن التجريدي، إذ إن العناصر الأساسية التي تستند إليها هي السطوح الضوئية النقية أيضاً، وبكلمة أخرى إن هذه الواقعية الجديدة تقوم بقلب الفنان التجريدي رأساً على عقب وإيقافه على رجله·
ترى هل يقطع محمود غربته ويعود لبغداد ليراها ويرى معرضها بلا أرجل تقف عليها·· كي يقدر في أية واقعية يضعها··؟!
1/4/2004
في إحدى جلسات أحاديث الثلاثاء اقترح الأستاد خالص محي الدين أن يقرأ من لديه منّا قصائد نظمها، فشجعه الحاضرون على ذلك، وهكذا بدأ هو أولاً بقراءة قصيدتين، الأولى بعنوان من وحي لبنان، والثانية بعنوان اذكريني، ثم أعقبه الدكتور إحسان البحراني بقصيدة نظمها عن بغداد في عام 2008، وتلاه الأستاذ خالد جواد موسى الذي قرأ قصيدة عنوانها العمر يا حبيبتي قدر، وهي من ديوانه الذي يحمل العنوان نفسه الذي أُعدّ في عام 2010·
أما أنا فقلت إن لديّ ديواناً منشوراً منذ سنوات، عنوانه ديوان أعوام الرمادة، وقد سبق لي أن قرأت في الجلسة الأولى من ندوتنا الثقافية التي عقدت في 5 نيسان 2009 قصيدتين من الديوان، هما قصيدة قرية المجد، وقصيدة قالت لي الأشجار فلا داعي إذن للتكرار، ولكنني اقترحت عوضاً عن ذلك أن نقرأ اليوم ما كتبه الشاعر الأردني زهير أبو شايب عن ديوان أعوام الرمادة، والمنشور على الغلاف الخلفي من الديوان، وهكذا تفضل الأخ أمين سر ندوته الثقافية الأستاذ رياض الياسين فقرأ ذلك على الحضور·