أنت هنا

قراءة كتاب مسائل الاعتقاد عند ابن عطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسائل الاعتقاد عند ابن عطية

مسائل الاعتقاد عند ابن عطية

كتاب " مسائل الاعتقاد عند ابن عطية  " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 9

ثالثاً: مكانته

كان ابن عطية رحمه الله صاحب مكانة علمية كبيرة, حيث كان له أدوار متعددة في حياته ذكرها عنه المحققون([49]). ألخصها فيما يأتي :

1- كان ابن عطية مجاهداً في سبيل الله تعالى , جاهد أعداء الله الفرنجة مع ملوك المرابطين في الأندلس.

2- وكان رحمه الله مجاهداً في سبيل الله بنشر الحق، والرد على أهل الزيغ والبدع, وبيان ضلالتهم.

3- وكان رحمه الله قاضياً , تولى قضاء المريّة ([50]).

4- وكان حريصاً على تلقي العلوم الشرعية واللغوية, وحمل الإجازات والالتقاء بالعلماء.

5- كما كان صاحب علم وفضل, وصف بأنه: فتي العمر, كهل العلماء, حديث السن, قديم السنا, لبس الجلالة برداّ ضافياً, وورد الماء صافياً, وأوضح الفصل وسماً عافياً, سما إلى رتب الكهول صغيراً, وسن كتبة ذهنه على العلوم مغيراً, فبناها معنى وفضل وحواها فرعاً وأصلاً, وله أدب يسيل رضرضاً, ويستحيل ألفاظاً مبتدعة وأغراضاً([51]). قال عنه السيوطي: "كان يتوقد ذكاء, وكان فاضلاً من بيت علم وجلالة, غاية في توقد الذهن, وحسن الفهم, وجلالة التصرف" ([52]).

ومن أهم ما أظهر مكانة ابن عطية اهتمام العلماء والباحثين بما كتب , وتأثرهم به.

وقد ذكر الفايد في رسالته فصلاً كاملاً عن تأثر المفسرين المغربة بتفسير ابن عطية منهجاً وموضوعاً([53])؛ حيث بين أن القرطبي تأثر بابن عطية من الناحية المنهجية، ومن ناحية كثرة نقل النصوص عنه سواء أنسب أم لم ينسب([54])، كما ذكر أن صاحب البحر المحيط قد تأثر أيضاً بابن عطية في المنهج والموضوع، كما كان ناقلاً بكثرة عن ابن عطية مع التزام النسبة، وبين أنه تعقب على بعض آراء ابن عطية، وأنه لم يكن موضوعيا في كل تعقباته بل جانب الصواب في بعضها([55]).

وذكر الفايد أن الثعالبي وضع مختصراً لتفسير ابن عطية هو الجواهر الحسان في تفسير القرآن، حيث اختصر تفسير ابن عطية بذكر آرائه، وحذف كثير من الأراء النحوية والقصص، كما قام الثعالبي بترجيح أو تضعييف بعض آراء ابن عطية دون تعقيب عليها([56]).

وكل ما سبق يعطي دلالة على عظيم صنيع ابن عطية في تفسيره للقرآن الكريم، وأهمية تفسيره للعلم والعلماء، فهذه العناية، وهذا النقل، والاختصار، والتعقب، إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة ابن عطية العلمية وتفسيره.

رابعاً: مصادره في مسائل العقائد

تُعرف مصادر ابن عطية في جميع المسائل العقدية الواردة في تفسيره بما ينسبه من أراء لأصحاب المدارس العقدية, ومن ثمّ تأييد هذه الأقوال, أو بذكر رأيه العقدي والاستدلال على صحته بذكر آراء أصحاب هذه الأقوال, وهو على الأول أكثر.

وقد استخدم ابن عطية كثيراً من المصادر العقدية مما قرأه, أو سمعه, أو تناوله, أو أجيز فيه من والده ومشايخه من كتب علماء أهل السنة, وقد ذكر هذا في فهرسه. والمستقرئ لمسائل العقيدة عند ابن عطية يرى أن من مصادره في العقيدة كتب الإمام الأشعري، والإمام الباقلاني، والإمام الجويني، كما أنه أخذ من بعض مصادر الماتريدية. ومن الأمثلة على ذلك:

1- كتب الإمام الأشعري, ومثاله ما ذكره عند تفسيره لقول الله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)([57]) قال ابن عطية: "فقال أبو الحسن الأشعري وجماعة المتكلمين, تكليف ما لا يطاق جائز"([58])، وقد ذكر هذا المثال الفايد في رسالته، وآدم في رسالتها([59]). ومن الأمثلة أيضاً ما ذكره ابن عطية: بأن الله تعالى لا يجوز أن يُسمى بغير ما سمّى به نفسه حتى لو كان هذا الاسم يقتضي مدحاً خالصاً. قال ابن عطية عند ذكر هذا المثال:" قاله أبو الحسن الأشعري"([60]).

2- كتب الإمام الباقلاني, وهو ما كان يذكره في تفسيره أحياناً باسم القاضي الباقلاني, أو القاضي ابن الباقلاني, أو القاضي فقط أو القاضي ابن الطيّب, وفي البحث أمثلة كثيرة تغني عن ذكرها هنا. ومن هذه الكتب كتاب التمهيد، وكتاب الأنصاف.

3- كتب الإمام أبي المعالي الجويني, وكثيراً ما كان يستخدمها ابن عطية، حيث زاد ما أخذه ابن عطية من الجويني من آراء ذكر فيها نصاً أنها من قول الجويني ما يزيد على خمس وأربعين مرة.

ومن كتب الجويني التي أفاد منها: كتاب الإرشاد, والشامل, والتلخيص.

هذه المصادر ذكرها أيضاً الفايد في رسالته، إلا أنه غفل عن ذكر غيرها من المصادر التي حدثنا عنها ابن عطية ذاته في تفسيره ومنها:

4- كتاب الاقتصاد للإمام الغزالي, ولم يذكره كثيراً.

5- ذكر ابن عطية كتاب التوحيد للإمام أبي منصور الماتريدي, ذاكراً رأياً له هو قوله: "قال أبو منصور في عقيدته: الرزق ما وقع الاغتذاء به"([61]).

ولا يعني هذا أن ابن عطية لم يكن له آراء مستقلة في بعض المسائل العقدية، فهو أحياناً يبين وجهة نظره بعد أن يعرض آراء العلماء، وهذا يدل على سعة علمه واتقاد ذهنه.

6- والملاحظ أن ابن عطية لم يذكر في مصادره رسالة أبن أبي زيد القيرواني، ولا أشار لها، وهي رسالة شاملة جاء فيها بعض المسائل العقدية، ولابن عطية أراء توافق ما جاء في الرسالة كما في مسائل الصفات ومسألة القضاء والقدر.

وتأثر ابن عطية بهذه المصادر يتضح عند استقراء المسائل العقدية في تفسيره، حيث يظهر تأثره وإفادته منها، كما يظهر مدى علمه وفطنته في فهم هذه النصوص، ومن ثم تأييدها أو معارضتها. ومن الأمثلة على ذلك ذكره لبعض آراء الباقلاني في الصفات، ثم التعقيب عليه بقوله:" وقول الباقلاني مرغوب عنه"([62]).

الصفحات