كتاب "
شمعة في أعماق السجون " ، تأليف محمد طحنون ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كتاب "
شمعة في أعماق السجون " ، تأليف محمد طحنون ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
خرجت من زنزانتي إلى مكان أرحب وأوسع، مكان به أناس آخرين، مكان لا يزال مغلقاً لكنه كان كالدنيا بالنسبة لي مقارنة بالقبر.
كنت فرحاً بالناس، كنت فرحاً بأخي الإنسان، كان معيار الحميمية في أعلى درجاته، وكان تعايشنا وتعاملنا مع بعضنا يعبِّر عن أسمى معاني الإنسانية.
كانت قيمة الواحد منا عند الآخر لا تقارن بثمن أياً كان ذلك الثمن، وأدركت حينها أن الإنسان لم يخلق ليعيش وحيداً وأن لا معنى لحياته أبداً إلا بأخيه الإنسان.
بدأت مرحلة جديدة من الاكتشافات عن هذا الإنسان وعن طبيعته وتكوينه وعن الإنسانية نفسها كقيمة ومعنى، معتمداً في ذلك على ما خرجت به من تجربة العزلة والوحدة.
أصبح لدي فراسة أستطيع من خلالها استشفاف الكثير من شخصية الإنسان وطباعه، لم تكن موفقة دائماً لكنني ومع الوقت أصبحت أتقنها، وكان من الصعب جداً على أي شخص أن يتلبس صفة أو ميزة ليست فيه لأنها ستنكشف سريعاً، ولا مجال لدس العيوب إنما كانت فرصة لمن أراد أن يصلح من عيوبه.
ربما كان لضيق المكان دور في ذلك، وربما لأننا مع بعضنا دائماً وفي كل الحالات.
قادني ذلك إلى تقليب صفحات الذاكرة بحثاً عن موقف بدأ يتراءى أمامي، صادفت فيه والدي رحمه الله يوماً، وكان بصحبتي أحد الأصدقاء، فقال لي والدي لن يوردك هذا الصديق خيراً رغم أنها المرة الأولى التي يشاهده فيها، وحاججته حينها وقلت بأنه نعم الصديق، إلا أنني وبعد فترة زمنية اكتشفت أن والدي كان محقاً في نظرته وانتهت صداقتي بذلك الشخص، فهل كانت تلك فراسة والدي؟
كان في داخلي شوق وحنين جارفين لأسرتي لم أعهدهما من قبل بهذه القوة، وحسبت كم عشت مع أهلي وكم من الوقت قضيته بدونهم، فوجدت أننا لم نعش مع بعضنا بالمعنى الحقيقي للعيش.