كتاب " بابا عمرو " ، تأليف مصطفى الصوفي .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب بابا عمرو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بابا عمرو
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
تأتي أهمية هذا المؤلف وبحوثه في هذا الوقت بالذات وهذه المرحلة الخطيرة والمفجعة التي تمر فيها سورية منذ بداية انتفاضة الشعب السوري على نظام البعث المستبد في سورية، وعمليات القمع والقتل وسفك الدماء والخراب والدمار الذي أصاب المدن والبلدات السورية، والتهجير للشعب السوري الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر...
وبما أن حمص كانت تسمى عاصمة الثورة السورية، فإن حي باباعمرو كان السباق إلى الانتفاضة والمظاهرات، ومواجهة القمع الأمني، ومن أوائل الأحياء التي تعرضت إلى الاقتحامات والهجمات العسكرية، والأمنية القوية التي خلفت ورائها الكثير من الشهداء والجرحى، وهدم البيوت ثم تبعه حي باب السباع والخالدية وباقي الأحياء ...
ولم يأتي عام 2012 حتى شكل حي باباعمرو حالة شبه مستقلة عن النظام الذي فقد سيطرته شيئا فشيئا على حي باباعمرو ...
وفي أوائل سنة 2012 وتحديداً في الخامس من شهر شباط بدأت حملة عسكرية شرسة لاستعادة الحي، والقضاء على ظاهرة التمرد الثوري الذي بدأ الحي يعيشه،
طبعا كنا نتصور أن الحملة العسكرية ستكون كسابقاتها من الحملات، يدخل الجيش يخرب ويدمر ويقتل ويعتقل، وتنسحب المجموعات المسلحة ثم يتراجع الجيش وتعود الحياة إلى مجاريها الطبيعية ...
ولكن يبدو أن النظام فقد صوابه هذه المرة، فلم يعد يحتمل وقرر تدمير الحي على أهله، فبعد حصار خانق ومنع الخروج والدخول للناس، والمواد الغذائية والتموينية لمدة أكثر من شهرين، وإصرار الكتائب المسلحة على المقاومة، ومنع القوات المسلحة الأسدية من دخول باباعمرو...
بدأت فجأة القذائف المدفعية والصاروخية والدبابات تنهال على حي باباعمرو بشكل
عشوائي، ومن جميع الجهات من الكلية الحربية، ومن ثكنات مسكنة وتل نقيرة
وبرابو وغرب العاصي، ومن الدبابات المتمركزة في الانشاءات والمساكن الشبابية وغيرها..
استشهد من اسشتهد وجرح من جرح، وكنت أحد المصابين بقذيفة في قدمي منذ اليوم الأول، وبعد حوالي أسبوع بدأ الهروب والنزوح الكبير من باباعمرو، وخلال أسبوعين تقريبا لم يبق أحد من سكان باباعمرو ألا بضع عشرات تم تصفيتهم عند دخول الجيش وقوات الأمن والشبيحة.
استمرت المعارك والقصف حوالي الشهر، ودخلت قوات الجيش وسيطرت على باباعمرو، وفي النهاية تشرد سكان باباعمرو، وبعض الأحياء الأخرى في القرى والمناطق المجاورة لحمص في الريف الجنوبي والشمالي والشرقي، وانتشروا حتى حماة شمالا والقلمون وريف دمشق ومدينة دمشق جنوباً ...
لاتستطيع مقدمة تمهيدية لهذا المؤلف أن تستوعب المأساة الإنسانية لأهالي باباعمرو، وسكان حمص عموماً وتصوير المعاناة النفسية والعاطفية والمادية والمعيشية، والصحية في مناطق اللجوء يضاف إليها عمليات الحصار الشديد التي بدأت تتعرض له مختلف مناطق وبلدات حمص ...
فالحالة النفسية من الإحباط والقلق والتوتر السائدة بين اللاجئين المهاجرين هي الأهم والأخطر، التي بدأت من حالة الأمل بالرجوع إلى الديار والبيوت بعد انتهاء الحملة العسكرية المدمرة، واستقرار الأمور والعودة على حياتهم الطبيعية...
إلى الشكوك التي بدأت تراود الغالبية منهم من صعوبة العودة تحت السيطرة الكاملة، والحالة القمعية والاعتقالات، والخوف التي سادت أجواء باباعمرو، والتي تطورت بعد شهور عديدة إلى اليقين باستحالة الرجوع قبل سقوط نظام الأسد، وحل القضية السورية...
ومع طول المدة وانهيار الأوضاع بشكل كامل على امتداد الساحة السورية، وتعقد الأمور ودخول القوى الخارجية على خط الأزمة، وانخراطها في المعارك والصراع بدأ الأمل يتلاشى بإمكانية عودة قريبة إلى باباعمرو خاصة وحمص عامة على المدى المنظور...
فتحولت الأمال إلى خيالات وانفعالات، وحنين وشوق يصدع النفوس ويخلع القلوب، وبدأت تتحول باباعمرو إلى ذكريات ثقيلة على النفوس في ظل أجواء غربة قاسية مفاجئة وغير محسوبة ...