كتاب " المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة ) " ، تأليف هيا صالح ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
«ملكوت طفلة الرَّب» لإبراهيم الكوني
ثالوث الحرية، الصحراء، الأبدية
تسرد هذه الرواية للكاتب الليبي إبراهيم الكوني، مسيرةَ طفلة ما تزال تخطو خطواتها الأولى على الأرض، وهي تروي حكاياتها بلسانها «لسان الصمت» الذي لم يعتد بعد لغةَ الناس المحيطين بها («الكبار» كما تسميهم) أو من لهم باع في البقاء على قيد الحياة. ويبدو أن منطقة الصمت التي تروي منها البطلة معادلٌ موضوعي لمنطقة التأمل والتفكّر وإعمال الخيال.. إنها كما تصفها البطلة (الراوية بضمير المخاطب) «لغة الحقيقة الأولى» والتي هي حكرٌ، كما تقول، «على الفئة التي تطلقون عليها اسم الصغار، كما تطلقونه الآن عليّ دون أن تدروا أن ما أتكلمه الآن ليس لسان أهل الدنيا، ولكنه لسان حال الدنيا. هل تعلمون لماذا؟ لأن من تكلم لسان الأبدية لن يكتب له أن يتكلم لسان الدنيا أبداً. ومن تكلم لسان الدنيا هيهات، ثم هيهات، أن يتكلم لسان الأبدية، لسان الحقيقة» (ص11).
تنقسم الرواية إلى ست عشرة دائرة، تشكل كل واحدة منها محطة انتقال في الوعي والرؤية عند «أنّا» التي تكتشف العالم وموجوداته عبر تأملها الذاتي في المطلق، وهو تأمل خارج عن منطق «الكبار»، ويصعب عليهم فهمه بإدراكهم المحدود لما يحيط بهم، وبما اكتسبوه من عادات «أرضية» تظل البطلة، على مدار الرواية، ترفضها وتنتقدها بشدّة.
وكما أنَّها لا تتكلم بلغة المحيطين بها من «الكبار»، فإن حسابها للزمن يختلف أيضاً عن حسابهم له؛ فـ«أنّا» التي لا يتجاوز عمرها على الأرض أياماً معدودة، تمتلك من الحكمة والرؤية العميقة ما لا يمتلكه شيخ طاعن في السن، إذ أنها لا تحتكم لقياس أهل الدنيا للزّمن، وإنما لمقياس الأبدية: «مسلك الأبدية، أعترف لكم، يقول إن حقيقتها تتخبأ في الومضة، حقيقتها تتستر في الجزء الأقصر عمراً من مجرّد الومضة. وهي لم يكن في مقدورها أن تصير دهراً، أن تصير أبديّة، إن لم تُخْفِ سرّها في هذه الجزئية. أما ما ترونه أنتم دهراً، ما تسمونه خلوداً، ما هو إلا المظهر، ما هو إلا المرآة لهذا الجوهر الخفي المتناهي في ضآلته. لهذا فإن حقيقة الخلود تنام في قاعٍ هو عدمٌ بمقياس زمانكم الدنيوي» (ص15).