كتاب " ضيوف ثقال الظل " ، تأليف جعفر العقيلي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب ضيوف ثقال الظل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ضيوف ثقال الظل
الرأسُ والمرآة
إنّها رأسي؛
الوجهُ الناحلُ الذي ورثتُهُ عن جدّي لأبي، العينان المغروزتان في أعماقِه، الأنف المضغوط الباسط قاعدته فوق أرجاء وجنتين ضامرتين، والفم الممتدّ حتى أطراف الأذنين المنكمشتين بعيداً..
بالتأكيد إنّها هي.. رأسي التي أعرفها جيّداً؛
الشَّعْرُ المتجعّد بخصلاته المتماوجة كيفما اتّفق، الجبهة المفلطحة التي تضيق عند حدود الحاجبين، والندبة السوداء التي تزيِّن حنطةَ خدّي الأيسر.
نعم، لا أشكُّ في مقدرتي على معرفتي -أقصد معرفة رأسي-، فما زلتُ أذكرُها تماماً بكامل بُؤْسِها الذي رأيتُها فيه آخر مرّة..
هل مِن أحدٍ غابت تفاصيلُ رأسِهِ عن ذهنِهِ يوماً ما؟ هل من شخصٍ ينسى ملامحَهُ؟ حتّى أولئك الموغلون في السنوات يَذكرونَ وجوهَهم العتيقةَ التي لا تفتأُ تشي بتاريخٍ فائضٍ بالأحداث والصُّوَر والتفاصيل كبيرها وصغيرها.
***
إنّها رأسي.
بدا الأمرُ غريباً إلى الحدّ الذي لا يمكنُني فيه أن أستوعبَه.
صباح أمسِ رأيتُها في مواجهتي، تُطلُّ علَيَّ من فضاء مرآةِ الحمّامِ الدائرية ذات الإطار البلاستيكي المُزركش.
أمعنتُ فيها كعادتي، ورفعتُ حاجبَيّ مرّات عِدّة. شذّبتُ ما شذّ من شَعْرهما. سبَّلتُ جفنَيّ؛ دكونَةٌ ما تُلوِّنُهما. إنّه الأرق. ابتسمتُ، فابتسمتُ. أعني ابتسمَ الذي يقابلني. أزَحتُ رأسي إلى اليمين، ففعلَ البغيضُ مثلي.. وحين عبستُ في وجههِ، لم يتوانَ عن العبوس في وجهي بكثيرٍ من الشّماتة. حينها راودتني رغبتي التي بدأتْ منذ ثلاثين عاماً ونيّف وما زالت عصيّةً على التحقّق؛ أنْ ألعبَ «الكُمُستير»[*] مع قريني؛ أغافله وأمسك به.
مددتُ لساني، ثُمَّ أعدتُهُ إلى فمي بلمْحِ البصر، توقّعْتُ ألاّ يفطنَ لحركتي هذه، لكنّه كرّرها بحذافيرها. بصقتُ في وجههِ حَنقاً، فَردّ الصّاعَ صاعَين، حتّى شعرتُ أنّ وجهي تَعكّرَ بسائلٍ لزج.
لَكَمْ كرهتُ هذا النِّدّ الذي لم أحمل أُلفةً تجاههُ منذ معرفتي به.