قراءة كتاب دمية النار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دمية النار

دمية النار

كتاب " دمية النار " ، تأليف بشير مفتي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، نقرأ من اجواء الرواية :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 7

تركت أمر رضا شاوش بعدها أو تركني هو، لم أره قط لسنوات عديدة حتى أنني ظننت أنني تخيلت وجوده فقط. لقد قطعت أشواطًا في الكتابة والحياة في تلك المرحلة الغريبة التي كان يسودها تذمر عام، وحالة من انسداد الأفق، ولم يكن أحد يستطيع التكهن إلى أين تسير الأمور، حتى حدث الانفجار الذي هز البلد بأكمله، وكنت قد أنهيت لتوي دراستي الجامعية حينما بدأت تحدث الاغتيالات العجيبة في صفوف المثقفين، ثم راحت أخبار الانفجارات التي تقع في كل مكان من هذه الأرض الكبيرة تصل الآذان، وأحيانًا نراها مرأى العين. وقتها رأيت رضا شاوش جالسًا في إحدى الحانات، كان بقرب أناس غرباء لم أتبينهم جيدًا، وإن شعرت أنهم ينتمون لتلك القوة التي نسمع عنها الكثير من الأساطير والحكايات أكثر مما نعرفها في الواقع، ولولا أنني كنت صحفيًّا وأعيش بملجأ للصحفيين قريب من تلك المدينة الأمنية التي صنعوها لأنفسهم؛ كي يحموا حياتهم وحياة عائلاتهم من الحرب الشرسة التي اندلعت، لما قدر لي أن أدخل تلك الحانة التي كان يؤمها هؤلاء، ولم أخف سروري برؤيته، وظننت أنه سيفرح مثلي حينها برؤيتي، لكن لم يلتفت إليّ قط، بل حتى وأنا أركز النظر إليه من طاولتي القريبة منه، لم أشعر أنه مهتم بـي، وقلت بداخلي: ربما نسيني تمامًا، وإنني أنتمي لشيء قديم في حياته.

لم أكن حريصًا أيامها على تنمية علاقاتي برجال الأمن والسلطة رغم إنهم كانوا قريبين منا حينها، وكنا تقريبًا نعيش في نفس الخندق. كنت أشعر بالنفور من تلك الدهاليز، وكانت الكتابة هي ما يساعدني على الحفاظ على ماء وجهي حينها، فانغمست في الإبداع الروائي انغماس السجين في عزلته المفروضة عليه، وظهر لي رضا شاوش من هذه الفصيلة التي لا ترتبط بصحفي أو كاتب إلا لتستخدمه في لعبتها التي لم أكن متبينًا قواعدها. وعندما لا يعرف الإنسان قواعد اللعبة فمن الأفضل أن لا يلعب أي ورقة؛ لأن ثمنها سيكون فادحًا للغاية على حياته وأمانته وصدقه مع نفسه.

عندما عدت ليلتها للفندق أو الملجأ (كما كنا نسميه)، ذهبت بسرعة لغرفتي واستلقيت على السرير، وبقيت أقرأ رواية "بيضة الثعبان" لبرغمان، وكنت أحس وأنا أقرأ بتفاعلات كثيرة، يبرعمها إحساس بالاختناق، وغياب لأي أفق ممكن في سنوات الحرب العبثية التي لم يكن يظهر لي أنها ستنتهي في يوم من الأيام. سمعت طرقًا على الباب، وكم كانت دهشتي وأنا أفتحه وأجد رضا شاوش أمامي يقف مسلمًا ومستأذنًا الدخول! فسمحت له، وأنا أخبره بما جال في خاطري عندما شاهدته في الحانة ضحك، وقال لي:

- أعرف، ولكن عندما أكون مع تلك الجماعة لا أحب أن تظهر علاقاتي الجانبية بأي شكل.

ثم جلس على السرير وتحدث معي مُجددًا:

- لقد فرحت رغم ذلك برؤيتك، وقلت ها هو أخيرًا شخص مستقيم في عالم مليء بـ..

دون أن يكمل جملته، ولكنني فهمت، وعرضت عليه أن نكمل زجاجة ويسكي، كان قد أحضرها لي صحفي فرنسي زار الجزائر لتقديم ربورتاجات عن الوضع الأمني. وعندما أخبرته عن مصدرها ضحك وقال:

- حسنًا سنشرب الويسكي الفرنسي في نخب الدم الجزائري.

سألته بعدها عن أحواله، فقال أمورًا غير مهمة، وسألني عن أحوالي والأدب، فقلت بدوري أمورًا غير مهمة. وبعد كأسين، راح يحدثني عن مخطوط يكتبه، وهو رواية كما يظن، أو سيرة خيالية، أو كما قال: "لا أدري ما هي!".

أظهرت له اهتمامي ورغبتي في قراءتها، وقلت له إنني لولا الكتابة لما استطعت أن أعيش للحظة واحدة، فكل شيء تحول لسجن.

الصفحات