كتاب " حزب الله والدولة في لبنان " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب حزب الله والدولة في لبنان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حاجة الوطن إلى دولة
إذا كان الإنسان بما هو كائن اجتماعي له حاجات لديمومة حياته، فإنَّه لا يستطيع الحصول عليها من دون التعاون مع الإنسان الآخر، وهذا التعاون يؤدّي إلى تشكيل جماعة واحدة، يحتاج تنظيم العلاقة بين أفرادها إلى ناظم. وقد تطوَّر مع الزمن، وصولًا إلى تحوُّله إلى ما يُعرف بالعقد الاجتماعي. هذا العقد احتاج بدوره إلى من يسهر على احترامه والالتزام به.
صار هذا العقد عبارة عن رابط قوي بين أفراد هذه الجماعة الواحدة، وله قواعده الَّتي جعلت منه كيانًا سياسيًّا، عُرف باسم الدَّولة. وهو الكيان المسؤول عن سيادة هذه الجماعة على بقعتها الجغرافيَّة، وحماية مصالح أفرادها، واستقلال قرارها، وسيادة قانونها.
تُعتبر الدَّولة في حياتنا المعاصرة، مكوّنًا مترابطًا مع الوطن. فلا وطن بلا دولة تديره، ولا دولة بلا وطن تقيم عليه سلطاتها. مثل هذا الارتباط، فرض على الجماعات البشريَّة تعاطيًا مختلفًا عمَّا كان سائدًا في العصور الماضية. فقد تغيَّرت التقسيمات الجغرافيَّة، وتطوَّرت حياة المجتمعات، ولم تعد الروابط مقتصرة على علاقات فرديَّة، أو على ضوابط محدودة؛ وفق الحاجات الخاصَّة بكل جماعة في إطار حيّزها الزماني والمكاني، بل تعدَّتها لتصبح روابط بين الدُّول والأوطان على امتداد المعمورة.
بناءً على هذا التطوُّر في حياة الجماعة البشريَّة، فإنَّ وجود الناظم داخلها، بأيّ صورة من الصور، هو ضرورة لا غنى عنها، و إلَّا دبَّت الفوضى وعمَّ الخراب وتلاشت هذه الجماعة، وانتهت البشريَّة مع الزمن. وهذا الناظم - الَّذي تنبثق عنه سلطة بدءًا من العائلة الصغيرة، فالعائلة الكبيرة داخل أي جماعة بشريَّة - تطوَّر مع الزمن، وصولًا إلى مفهوم الدَّولة المعاصرة.
يقرُّ الإسلام مثل هذه الضرورة، ويعتبرها من الحاجات الَّتي لا غنى عنها، لتنظيم الحياة على الأرض، وتوفير مقوّمات رقيّها، ليصل الإنسان إلى مرحلة التكامل. فوجود الناظم للعلاقة بين النَّاس، هو في صلب الشريعة الَّتي جاء بها النبيُّ محمد ﷺ، وقد باشر بنفسه تثبيت قواعده من خلال وضع نواة الدَّولة الأولى الَّتي أسَّسها في المدينة المنوَّرة، وطبَّق فيها القانون الإسلامي على الأفراد وعلى الجماعة المسلمة، وعقد المعاهدات مع الجماعات غير المسلمة الَّتي عاشت باطمئنان وسلام في ربوع تلك الدَّولة. وقد قدَّم النبي ﷺ في تطبيقاته لهذا القانون النموذج الرائد في كيفيَّة التعامل مع المجتمع أفرادًا وجماعات، فهو عندما طبَّق الشريعة الإسلاميَّة لم يلغِ التنوُّع في المجتمع، ولم يحرم أصحاب الديانات الأخرى من حقوقهم.
جرت ترجمة ضرورة وجود هذا الناظم من خلال العمل على إنشاء الدَّولة الإسلاميَّة، حيث يمكن لمجتمع المسلمين أن يؤسِّس دولته. لكنَّ هذه الإمكانيَّة تتفاوت بين مكان وآخر، حسب طبيعة كلّ مجتمع وظروفه. وحين تضعُف هذه الإمكانيَّة إلى حدّ عدم القدرة؛ لأسباب مختلفة من بينها عدم وجود غالبية إسلاميَّة عظمى في المجتمع، فإنَّ وجود القانون الناظم لعلاقة النَّاس فيما بينهم، ووجود الحكومة الَّتي تطبِّق هذا القانون يصبحان من الضرورات الإنسانيَّة، وهو ما أشار إليه الإمام علي ﷷ بقوله» :لا بدَّ للنَّاس من أمير برٍّ أو فاجر. يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع الفيء، ويقاتل بها العدو، وتؤمن بها السبل، ويؤخذ بها للضعيف من القوي«[32].