أنت هنا

قراءة كتاب ديمقراطيات في خطر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ديمقراطيات في خطر

ديمقراطيات في خطر

كتاب " ديمقراطيات في خطر " ، تحرير ألفرد ستيبان ، والذي صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر .

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

مقترحات جديدة حول كيفية تحسين النظام الرئاسي ونصف الرئاسي

يُعتبر النظام البرلماني (كما تأسس أولاً في المملكة المتحدة)، والنظام نصف الرئاسي (والجمهورية الفرنسية الأولى مثال عليه)، والنظام الرئاسي (كما تأسس أولاً في الولايات المتحدة) النماذج الأصلية (ولكل منها أنواعه الكثيرة) للحكومة الديموقراطية في الديموقراطيات المعاصرة في العالم[10]. برز إجماع، في نقاشاتنا في نادي مدريد، على أن الكثير من الديموقراطيات التي تواجه الخطر، إنما تواجهه جزئياً بسبب النزعات الموجودة في النظامين الرئاسي ونصف الرئاسي والتي لم يتم تحليلها كما يجب في بداية الموجة الجديدة من تحقيق الديموقراطية.

ومن المؤكد أن الكثيرين من الناشطين والمنظرين الديموقراطيين القلقين من فقدان بعض المرونة في النظام الرئاسي قد ناقشوا إمكان الاستبدال التام للنظام البرلماني بالنظام الرئاسي. إلا أن جهود استبدال النظام الرئاسي أو إصلاحه تضاءلت بعد أواسط التسعينيات لسببين رئيسيين:

الأول، أنه لم يمكن للسياسيين والناخبين الديموقراطيين، في الديموقراطية تلو الأخرى، حمل أنفسهم على التراجع عن فرصة الحصول على رئيس قوي مُنتخب ديموقراطياً، يعتقدون أن في وسعه الدفع بالإصلاحات التي أرادها معظم المواطنين. وبدا أنه لا يمكن الفوز بالكفاح السياسي ضد النظام الرئاسي مهما بلغ وزن الحجج النظرية ضده.

الثاني، يبدو أن الأحداث التاريخية تشكك في واحدة من أكثر الحجج السياسية قوة ضد النظام الرئاسي. وقد حاجج المنتقدون بأن النظام الرئاسي ساهم في الإنقلابات وفي الحكومات العسكرية. وبالفعل فإن خمس دول فقط من بين عشرين دولة في أميركا اللاتينية تجنّبت في الستينيات والسبعينيات الأنظمة العسكرية. إلا أن الأنظمة العسكرية أخذت منذ التسعينيات حتى اليوم تختفي من الديموقراطيات الجديدة في شرق آسيا وأميركا اللاتينية. ومنذ 2009 لم يعد يوجد بالفعل أي نظام عسكري في أميركا اللاتينية.

لكن، وكما يجادل أرتورو فالنزويلا في هذا الكتاب، توحي بعض الاتجاهات الجديدة والمقلقة المتعلقة بالنظام الرئاسي في أميركا اللاتينية، بأننا نحتاج إلى التفكير مرة أخرى في كيفية الإصلاح الجذري لبعض مؤسسات النظام الرئاسي، وبخاصة تنوّع أشكاله الأميركية اللاتينية.

قد لا يوجد الآن أنظمة عسكرية في أميركا اللاتينية، لكن، وكما في وثائق فنزويلا، فقد أُجبر ستة عشر رئيساً منذ 1983 على التنحي عن السلطة قبل انتهاء ولايتهم الدستورية، وأوقف الرئيس السابع عشر العمل بالنظام بالدستوري عن طريق إغلاق الكونغرس، في حين لم يتمكن الكثيرون غيره من وضع التشريعات إلا بمراسيم. كما إن الكثير من درجات شعبية رؤساء السلطة التشريعية الأدنى، والكثير من الدعم التشريعي الأضعف، والمساندة القوية من الرأي العام للبدائل غير الديموقراطية، موجودة اليوم في الديموقراطيات الرئاسية المأزومة في أميركا اللاتينية. وتوجد بالتالي أزمة جديدة من الفاعلية الديموقراطية والشرعية الديموقراطية في أميركا اللاتينية، ويشير فالنزويلا إلى دليل قوي يظهر أن الكثير من هذه الأزمة مرتبط بالنظام الرئاسي.

بَيْد أن البدائل الهادفة إلى تعزيز مثل هذه الديموقراطيات الرئاسية التي تواجه الخطر أخذت تبرز من خلال أعوام من النقاشات حول الأرجنتين مع المنظّر الحقوقي الأرجنتيني الكبير كارلوس نينو، والمنظّر المبدع في الديموقراطية خوان لينز، والرئيس البوليفي الذي حوصر وأطيح به في النهاية غونزالو سانشيز دي لوزادا. وقد سمّيتُ هذه البدائل "النظام الرئاسي البرلماني". ونظراً إلى أزمات النظام الرئاسي الكثيرة، أقنَعَ نادي مدريد كمجموعة، وأنا كمحرّر، فالنزويلا بالحاجة إلى مناقشة هذه البدائل ضمن جمعيتنا العمومية، وتوفير بعضها في مآل الأمر للمرة الأولى، طباعةً في هذا الكتاب.

شاركتُ في الثمانينيات والتسعينيات في البرازيل وتشيلي والأرجنتين في الكثير من النقاشات حول الرغبة والجدوى من تغيير النظام الرئاسي إلى نوعٍ من أنواع النظام البرلماني. وكان النظام نصف الرئاسي على الطراز الفرنسي هو الشكل الأكثر رغبة، مع بعض الاستثناءات، من الزعماء السياسيين والجمهور، لأنه يستوجب سلطة تنفيذية مزدوجة، ورئيس حكومة مسؤول تجاه البرلمان، ولكن أيضاً مع وجود رئيس منتخب مباشرة[11]. والأمر الفاتن، في نظرة إلى الوراء، هو مدى قلّة الانتباه الذي كُرّس في الواقع لاستكشاف المشاكل الممكنة مع النظام نصف الرئاسي.

تعاونت سيندي سكاش، مؤلّفة كتاب رئيسي عن النظام نصف الرئاسي، وتيموتي ج. كولتون، أحد الباحثين الطليعيين في السياسات الروسية، في هذا الكتاب لتزويدنا بالتقويم النقدي لنظرية وممارسة النظام نصف الرئاسي الذي افتقرنا إليه عند بداية الموجة الثالثة[12]. وقاما بذلك بإجراء مقارنة لتجربة ما بعد الشيوعية، وبخاصة في روسيا، مع الجمهورية الفرنسية الخامسة ومع النموذج البرتغالي المهمَل والذي تزيد جاذبيته. وامتلكا مجموعة غنية جديدة من الدليل التجريبي ليتفحّصاه، لأن النظام نصف الرئاسي أصبح الشكل النموذجي للحكم المعتمد في أوروبا ما بعد الشيوعية[13]. استخدما مجموعة الأدلة هذه ليثبتا أنه يوجد المزيد من التنوع، ومن المخاطر المحتملة على الديموقراطية في بعض هذا التنوع، أكثر مما تم تشخيصه في السابق.

وكما يشيران إلى ذلك، فإن معظم التحليلات للنظام نصف الرئاسي تناقش شكلَيْن أتيا عن طريق الانتخاب من جوهر نموذج «السلطة التنفيذية المزدوجة». ففي الوضعية الأولى: يتزعم الرئيس حزباً أو ائتلافاً يمتلك غالبية في المجلسَيْن. وفي الوضعية الثانية: لا يمتلك الرئيس غالبية في البرلمان، لكن رئيس الحكومة يمتلكها[14].

إن أحد الأسباب التي دفعت ببعض الناس إلى المجادلة في أن النظام نصف الرئاسي أفضل الاثنين، هو في أنهم نظروا إلى ما أسميه بالوضعية الأولى بوصفها نظاماً رئاسياً محضاً مع أغلبية تشريعية، واعتبروا بالتالي أنها معصومة من مشاكل الحكومة المنقسمة. واعتبروا الوضعية الثانية قريبة من النظام البرلماني المحض لوجود رئيس لمجلس الوزراء يحكم بغالبية تشريعية وهو زعيم للحكومة. ولا وجود بالتالي، بالنسبة إلى بعض الكتّاب أمثال أرند ليبهارت، لحيّز خطر في النظام نصف الرئاسي (وهو يكاد يكون غير موجود كشكل منفصل من أشكال الحكم) لأنه يتضمن فقط تناوباً (من الوضعية الأولى إلى الوضعية الثانية وبالعكس) بين الشكلين الأقل التباساً من أشكال النظام الرئاسي والنظام البرلماني.

إلا أنه يوجد مع ذلك حيّز مثير للمشاكل في النظام نصف الرئاسي. فالوضعية الثانية ليست في الواقع قريبة من النظام البرلماني المحض. فرأس الدولة هو رئيس مُنتخب مباشرة بولاية محددة، وغالباً ما يمتلك مركز رئاسة الجمهورية امتيازات دستورية مدمجة تتعلق بالأمن الخارجي والداخلي، والاستخبارات، والشؤون الخارجية، وسلطات الطوارئ، وإصدار المراسيم، والحق في حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. وهذا ليس نظاماً برلمانياً محضاً بل هو "سلطة تنفيذية مزدوجة"، مع مصدرَيْن انتخابيَّيْن مختلفَيْن للشرعية. فمركز رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة، في النظام نصف الرئاسي، يمتلك بالتالي مع هذه السلطات قاعدة في الدولة لمواجهة رئيس الوزراء، أكثر متانة مما يمكن لأي مركز أن يمتلكه في النظام البرلماني المحض.

ولكني لم أناقش الحيّز الأكثر إرباكاً للنظام نصف الرئاسي. فالوضعيتان الأولى والثانية لا تستنزفان، في الواقع، إمكانات النموذج الناتجة عن الانتخابات. ويمكن، منطقياً، وجود وضعية ثالثة لا يمتلك فيها لا الرئيس ولا رئيس الحكومة، الغالبية[15].

أُهملت المشاكل المحتملة للوضعية الثالثة في الأدبيات التأسيسية لدراسات تحقيق الديموقراطية لأنها لم تلقَ ما يكفي من الاعتراف بها بوصفها ممكنة. فالنموذج الرئيسي الذي دار في ذهن معظم الناشطين والمنظّرين الديموقراطيين، وهو الجمهورية الفرنسية الخامسة، احتلّ دوماً الوضعية الأولى في سنواته الست والعشرين الأولى ولم يكن قَطْ في الوضعية الثالثة[16]. إلا أن الكثير من البلدان نصف الرئاسية الجديدة مثل روسيا كانت دوماً، حسبما يحاجج كولتون وسكاش، في الوضعية الثالثة.

وقد حاججا بأن الوضعية الثالثة هي المحفوفة أكثر بالمخاطر على الديموقراطية لأن لكلا السلطتين التنفيذيتين المزدوجتين ادعاءات دستورية بامتيازات تنفيذية بالرغم من عدم امتلاك أي منهما الغالبية التشريعية. ويجادلان في أن حالات الوضعية الثالثة تُحل غالباً على يد الرؤساء الذين يستخدمون سلطات الطوارئ الدستورية المتضمّنة، ووصولهم الخاص إلى مصادر الاستخبارات والشرطة والجيش، لتغيير ميزان القوى من خلال إجراءات غير ديموقراطية.

يبرهن كولتون وسكاش، بالتفصيل المقنع، كيف أن الوضعية الثالثة ساهمت، في حالة روسيا، في قيام الرئيس يلتسين، في الغالب، بالحكم على هوامش الديموقراطية أو بخروجه وقتياً "من الصندوق الديموقراطي"، كما في عام 1993 عندما أغلق البرلمان بالقوة وأنشأ دستوراً جديداً "رئاسياً من الدرجة الأولى"، ومن ثم الحصول على التصديق على الدستور في ظل ظروف تمكّن من إجراء الاستفتاء.

وما يخرج من تحليل كولتون وسكاش هو أنه علينا أن نعي، ليس فقط النظام نصف الرئاسي بأسلوب الجمهورية الخامسة الفرنسية (وهو برأيي الآن بشكل تجريبي خلية من واحد) بل أيضاً اثنين من أبرز الأنماط وهما: نمط "رئاسة الدرجة الأولى نصف الرئاسية" على طريقة يلتسين، والنمط الآخذ في البروز والذي أدعوه "النظام نصف الرئاسي البرلماني". وهذا النمط الأخير من العلاقات الدستورية بين السياسة وحزب السلطة التنفيذية لم يخضع فعلاً للدراسة. وقد ظهر أولاً في البرتغال، وهو يطغى الآن، مع بعض التنوع، في بولندا وسلوفينيا وليتوانيا وكرواتيا.

أقصد بعبارة "النظام نصف الرئاسي البرلماني" أن ألفت الانتباه إلى مجموعة مُدركة من القرارات السياسية يتخذها الزعماء وواضعو الدستور والناخبون لخفض بعض المشاكل المحتملة للنظام نصف الرئاسي. ويستلزم الاقتراح رئيساً يُنتخب مباشرة. لكن هناك، كما في البرتغال وبولندا وليتوانيا وسلوفينيا وفي وقت أقرب في كرواتيا، جهداً مقصوداً لتفادي "النظام الرئاسي من الدرجة الأولى" عن طريق خفض سلطات الرئيس وزيادة سلطات البرلمان والمحاكم في الغالب[17]. ومن تأثيرات هذه التغييرات الزيادة في تحفيز السياسيين المنتخبين ورؤساء الحكومات على إنشاء الأحزاب السياسية الديموقراطية والائتلافات، وتعزيزها. ومرد ذلك إلى أنه لا يمكن للطامحين إلى الزعامة السياسية قيادة الحكومة الديموقراطية في هذا النوع من النظام نصف الرئاسي، إذا كانت الغالبية في البرلمان ضدهم.

وهذا الشكل من النظام نصف الرئاسي هو في رأيي الأقل خطراً على الديموقراطية لأنه يقلّل كثيراً من احتمالات الوصول إلى الوضعية الثالثة. علاوة على ذلك، وبالرغم من أنه لن يلغي التوترات بين السلطتين التنفيذيتين المزدوجتين المتوطنة في الوضعية الثانية، فإنه سيجعلها أقل خطورة. يمتلك الرئيس في سلوفينيا وليتوانيا سلطات أقل من الرئيس في فرنسا، فيما تُعتبر الرئاستان في البرتغال وبولندا ضعيفتين الآن[18].

إن إلقاء نظرة على ثمانية من بلدان ما بعد الشيوعية التي قُبلت في الاتحاد الأوروبي في عام 2004 واعتُبرت بالتالي أنها اجتازت عتبة مهمة في توطيد الديموقراطية، يمكن أن تشكّل إيضاحاً كبيراً للغاية. فخمس من الدول الأعضاء الجديدة ذات نظام برلماني محض وهي: المجر، جمهورية تشيكيا، أستونيا، لاتفيا، وسلوفاكيا. ولم تعتمد أي واحدة نظام الجمهورية الخامسة الفرنسية نصف الرئاسي. كما لم تعتمد أي منها "النظام نصف الرئاسي، الرئاسي من الدرجة الأولى". أما الدول الثلاث المتبقية من الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي – بولندا، سلوفينيا، وليتوانيا – فهي أقرب إلى "النظام نصف الرئاسي البرلماني".

ولا تقع قيمة تحديد هذا النمط الجديد في أنها تلفت الانتباه إلى هذه الترتيبات السياسية الجديدة على هذا النحو وحسب، بل في أنها تنبهنا أيضاً إلى عملية سياسية غير متوقعة وصالحة ديموقراطياً. وتوحي بوجود أنواع من الأفعال التي يمكن للزعماء الديموقراطيين والناخبين اتخاذها للتخفيف من بعض الأخطار على ديموقراطية الحكم نصف الرئاسي.

ينتهي الكتاب بخاتمة من وضع واحد من أكثر القادة الفكريين من منظّري جيل تحقيق الديموقراطية الأول نفوذاً، فرناندو أنريكي كاردوسو، الذي أصبح أيضاً رائداً مؤثّراً لإصلاحات الجيل الثاني الديموقراطية خلال عهدَيْ حكمه كرئيس للبرازيل من عام 1995 إلى عام 2003.

الصفحات