أنت هنا

قراءة كتاب الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

كتاب " الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة " ، تأليف د. محمد السهر ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

أولاً- مشكلة الدراسة

يذكر الفيلسوف المعاصر لاندسبرج أن أي مشكلة نتناولها بالبحث لا يمكن أن تُفهم على حقيقتها إلا في علاقتها بغيرها من المشكلات، فالمشكلة المعروضة عرضاً حقيقياً هي المشكلة التي تتشابك وتتبدى داخل نسيج من العلاقات.[1]وتتمحور المشكلة أو القضية، التي تحاول هذه الدراسة الخوض فيها، حول الحكم التسلطي-الاستبدادي الذي يتصف به النظام السياسي العربـي في مختلف الأقطار أو البلدان العربية دون استثناء، سواء أكان شكل هذا النظام جمهوري، ملكي، أميري أو سلطاني. فعلى الرغم من التحولات الكبرى التي مرت بها معظم شعوب وأمم العالم وقطعها لأشواط كبيرة في التقدم والتنمية في مختلف مجالات الحياة ومنها شكل وطبيعة العلاقة بين السلطة والشعب، إلا أننا نلاحظ أن النظام السياسي في الدول العربية لا زال يُفسر العلاقة مع مواطنيه على أنها علاقة بين حاكم ومحكوم، راعي ورعية، رئيس أو ملك (مُسدد من السماء) مطلق الصلاحيات وشعب (مُقدر لهُ من السماء) أن يكون خاضعاً لحاكمه الذي يمثل ظل الله في الأرض، فهو ولي الأمر الذي يجب أن يكون عارفاً ومتحكماً بأبسط مفردات حياة رعيته، وهم (عياله) الذين يطعمهم ويكسهم ويعلمهم، وإذا ما أخطئوا يعاقبهم.

يرى عالم الاجتماع الألماني المعاصر يورجين هابرماس في كتابه المعرفة والاهتمامات الإنسانية Knowledge and human interest، أن مهمة العلوم الثقافية هي فهم المعاني التي يعطيها الأفراد للأشياء والأحداث في ظروف وملابسات تاريخية معينة ومحددة، ويميز هابرماس تمييزاً شديداً بين العلوم الثقافية والعلوم الطبيعية.[2]كما أنهُ يحدد الثقافة بمنظومة من المعاني الذاتية التي يعتنقها الأفراد عن أنفسهم وعن العالم المحيط بهم. ولكي يمكن فهم المعاني التي يلحقها الأفراد بالأشياء والأحداث، فإن الشخص الذي يقوم بالتحليل يتعين عليه أن يُعيد بناء الـمُدركات الذاتية في مواقف محددة، ويكتشف المفاهيم السائدة والمشتركة بين الأفراد في ذلك الموقف والتي يأخذها هؤلاء الأفراد كأمور مُسلم بها. وهذه أمور ليست صعبة فحسب، ولكنها أيضاً غير تراكمية بالضرورة نظراً لاختلاف المواقف إحداها عن الأخرى. فهابرماس يفترض إذن أن المعاني، والقواعد التي يتم بناء المعاني بمقتضاها تختلف من موقف لآخر، إذ يستحيل إقامة قوانين عامة تصف تكوين المعاني. ويعتقد إن الشخص الملاحظ يجلب معهُ نماذج فكرية سابقة عن تأويلات الموقف، ولهذا فإنهُ من الأصح والأدق أن يُقال إن الباحث أعاد تكوين المعنى من جديد بدلاً من أن يُقال إنه اكتشف المعاني. يدرك هابرماس الحدود التي تفرضها اللغة على المعاني، فالدلالات الوفيرة والفهم الضمني الذي يوجد في أي موقف مُحدد يصعب الإحاطة بهما إحاطة كاملة أو التعبير عنهما تعبيراً دقيقاً باستخدام اللغة. ولذا فإن المحلل الذي يعتمد على اللغة كمصدر رئيسي للوضوح وكأداة للتعبير عن النتائج يجد نفسه منشغلاً بالضرورة في عملية التفسير والتأويل، ويقوم المحلل بدور أكثر من مجرد الملاحظة البسيطة وإظهار المعاني التي ينسبها الأفراد لظروفهم وأوضاعهم، كما أنه يُعيد بناء هذه المعاني طبقاً لقواعد معينة متضمنة في اللغة نفسها. ومع ذلك يميل هابرماس ليكون أقل تعلقاً نسبياً من غيره بالنـزعات الفطرية في اللغة.[3]

وتتلخص مشكلة هذه الدراسة، في أن المجتمع العربـي وهو يعيش في العصر الحاضر، لا زال يتقبل هذه العلاقة (المتسلط والـمُتسلط عليه، أو المستبد والـمُستبد به) مع الحاكم، ويضع التبريرات لكل ما يمارسهُ هذا الحاكم من صور الظلم والقهر والاستبداد والتسلط، معتقداً أن هذا الأمر مقدراً من الله، أو هو نوع من الإذعان لسيرة السلف الصالح الذين حذروا من الخروج على الحاكم مهما كانت نتائج وجوده (الحاكم) السلبية، لأن هذه النتائج ومهما بلغت من عنت وألم سوف تكون أقل تأثيراً فيما لو عمت الفتنة وانفرط عقد السلطة. وتتمحور الأسئلة الرئيسة التي نناقشها هنا:

لماذا ظلت المجتمعات العربية خاضعة للحاكم الظالم طوال قرون، ثم خضعت للاحتلال الأجنبـي، ثم عادت للخضوع للحاكم المحلي مرة أخرى وإلى يومنا هذا؟ ، لماذا تقف عامة الشعب في أغلب الأحيان ضد تغيير الحاكم؟ لماذا لم تستطع المجتمعات العربية من بناء أنظمة ديمقراطية على الرغم من مرور أكثر من تسعة عقود على تشكيل الدول الحديثة فيها مثل مصر والعراق وسوريا؟ لماذا يأتي التغيير دائماً من الخارج؟

الصفحات