أنت هنا

قراءة كتاب الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة

كتاب " الخلفية الثقافية : للحكم التسلطي في المجتمعات العربية المعاصرة " ، تأليف د. محمد السهر ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

رابعاً- مبررات الدراسة

هل هناك مبررات لمثل هذه الدراسة في الوقت الحاضر؟ وهل هناك علاقة لعلم الاجتماع في مثل هذا النوع من الدراسات؟ في الحقيقة أن هناك مبررات كثيرة لإجراء دراستنا هذه، منها: -

1- عدم مواكبة الدول العربية بمجملها لحركات التغير السياسي، ليس في أوربا وأميركا فحسب بل وفي دول آسيوية ولاتينية وأفريقية كانت إلى ما قبل نصف قرن تحكمها أنظمة سياسية استبدادية. فليست الدولة الوطنية الحديثة في الهند- مثلاً- أقدم من مثيلتها في مصر أو العراق أو سورية، ومع ذلك، فالدولة في الهند من أكثر الدول استقراراً، وسلطانها في المجتمع جار على مقتضى القبول العام. بينما الأمر خلاف ذلك في أية واحدة من الدول العربية الثلاث المشار إليها. وإذا كان من المفترض أن تكون معاناة مجتمعات من القهر السياسي مدعاة لطلب المزيد من الحرية والديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، وهو ما حصل بالفعل في مجتمعات أمريكا الوسطى والجنوبية وأوربا الشرقية، فإن ذلك صار لدينا مدعاة إلى الهرع للعصبيات.

2- نحتاج إلى تفسير أبعد وأعمق من التحليل السياسي السطحي، إذ أن التحليل الملائم في حالتنا هو التحليل التاريخي- الثقافي الذي يحفر في طبقات التاريخ الاجتماعي منفتحاً على دروس الأنثروبولوجيا والتاريخ وعلم السياسة، منقباً عن الأسباب والعوامل العميقة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، مع الأخذ بالاعتبار الدور المؤثر الذي تلعبهُ العوامل السياسية المعاصرة في تغذية تلك الجذور العميقة كي تظل قادرة على الحياة وعلى تجديد ثمارها اليوم.

3- نحن نذهب-بمقتضى هذه المقاربة- إلى الأخذ بفرضية أخرى تقول: (إن ضعف فكرة الدولة في المخيال الجمعي الاجتماعي ينهل من عوامل ثقافية قديمة ومزمنة تعود إلى تكوين الجماعات الاجتماعية العربية في العهود القديمة والوسيطة، وإلى محصلتها الثقافية الإجمالية المعبرة عن أوضاع ذلك التكوين، ثم إلى وجود الأسباب الحاملة على تجديد ذلك الموروث الثقافي أو إعادة إنتاج قدرته على تمديد بقائه وفاعليته وتأثيره في تشكيل وعي من يتلقنون معطياته في الزمن المعاصر). ربما كان بعض تلك العوامل الثقافية سياسياً في أول أمره، لكنهُ مع مرور الأيام وأحكام التقادم تحول إلى شأن ثقافي تشربته أجيال من تلك الجماعات بوصفه قرينة على ما هو طبيعي في اجتماعها، أو على ما هو في حكم الثابت والبديهي من الحقائق التي يقوم عليها ذلك الاجتماع.[4]

4- وبما أن هذه الدراسة تأتي متزامنةً مع التغيرات التي تحدث في بعض البلدان العربية في الوقت الحاضر، فإننا سوف نستدل من خلالها على طبيعة هذه التغيرات، من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: هل هذه التغييرات نابعة من إحساس مجتمعي بضرورة التغيير؟ هل أن إرادة المجتمع في هذا الأمر هي إرادة حرة مستقلة؟ كذلك سوف تجيب دراستنا هذه على الكيفية التي ستتم بها عملية التغيير، وهل ستنتج أنظمة سياسية ديمقراطية حديثة، أم أنها سوف تعيد إنتاج دكتاتوريات جديدة؟ [5]

5- ومن مبررات اعتقادنا أن الثقافة العربية هي محور المشكلة، هو عدم نجاح نظريات عديدة في تفسير التحول الديمقراطي، فلقد أكدت أدبيات علم الاجتماع المبكرة أن هناك أثراً إيجابياً بين النمو الاقتصادي والديمقراطية، ومن أبرز هذه النظريات، نظرية لبسيت Lipset الكلاسيكية التي تشير إلى أن هناك علاقة مباشرة بين نمو الدخل والحكم الديمقراطي.[6]وفي صياغة حديثة لاختبار فرضية لبسيت، توصل شيفورسكي وآخرون إلى أن الدول التي تحافظ على دخل سنوي متوسط قدره 5000 دولار أمريكي، على الأقل، يُرجح أن تحافظ على الحكم الديمقراطي. وقد لاحظ مراقبون أن عدداً من الدول الفقيرة نسبياً والواقعة تحت المستوى الذي ذكره شيفورسكي وزملاؤه كانت قادرة على تلبية المتطلبات الدنيا للحكم الديمقراطي منذ انهيار الشيوعية. وهكذا، فالقدرات التي تملكها دول، مثل مالي وغانا وبوليفيا وغيرها، لمتابعة السير في النهج الديمقراطي تتحدى الفرضية القائلة إن الديمقراطية تتطلب مستوى محدداً من الرخاء الاقتصادي قبل أن تترسخ.[7]

وتتحدى البلدان العربية الريعية هذه النظرية، فالعراق مثلاً يتحدى نموذج لبسيت من ناحية أخرى، فخلال الفترة 1970-1980 حقق هذا البلد مستوى عالي جداً من النمو والتنمية الاقتصادية نتيجةً لتضاعف موارده النفطية لعشرين مرة. وبحلول عام 1980 بنا العراق أكثر نظم الرعاية الصحية تقدماً في الشرق الأوسط، ووسع بشكل كبير نظام التعليم، وأوصل الكهرباء إلى أنحاء كثيرة من المناطق الريفية. ومع ذلك كانت هناك علاقة عكسية بين النمو الاقتصادي والرخاء من ناحية، والتغير الديمقراطي من ناحية أخرى.[8]أما نظرية الدولة الريعية فقد ارتبطت بالحكم الأوتوقراطي، وهي تذهب إلى أن قدرة الدولة على انتزاع الريوع من بيع السلع ذات الطلب العالي تسمح لها بالالتفاف على الجماهير عموماً كمصدر للإيرادات، وبالتالي تجاهل الضغوط الهادفة للإصلاح والتغيير السياسي. ولكننا لا نستطيع تطبيق هذه النظرية على الدول العربية كافة، وذلك لأنها ليست جميعها دولاً ريعية. فإذا كان من الممكن تطبيق هذه النظرية على العراق ودول الخليج وليبيا والجزائر كونها دول تعتمد الريع النفطي في موازناتها السنوية، فما بال البلدان الأخرى التي ليس فيها مثل هذا الريع؟

6- أن مما لا شك فيه أن التسلط والاستبداد والدكتاتورية هي صفات مشتركة للأنظمة السياسية في الدول العربية كافة في العصر الحديث منذ العقد الثاني من القرن العشرين وحتى الآن. وفي الحقيقة فأن ظاهرة تكريس النظام الدكتاتوري التسلطي في 22 دولة هي ظاهرة جديرة بالدراسة والبحث، فعلى الرغم من التحولات الكبرى التي حدثت في كافة دول العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وتحول الكثير من دول العالم التي كانت تخضع لأنظمة حكم تسلطية أو شمولية أو ديكتاتورية، تحولها إلى النظام الديمقراطي، إلا أننا نجد أن الأنظمة السياسية العربية لا زالت، كما كان عليه أسلافها من الخلفاء والسلاطين قبل مئات السنين، تنتهج نفس الأساليب التي تعتمد الاستبداد والتسلط والحكم الفردي، فما هو السبب؟

الصفحات