أنت هنا

قراءة كتاب أيامنا المنسية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أيامنا المنسية

أيامنا المنسية

رواية " أيامنا المنسية " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الرواية

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 4

بدت لي المغامرة محفوفة بالمخاطر. الأمر يتجاوز خطر المرور من كوة صغيرة، مازال عالقـًا بها شظايا زجاج مدبب، لو تمكن منك فلن يُفلتك إلا بجروح تنهش في جسدك الطري. ما كان يخيفني حقـًا هو تلك المسافة التي يتعين تجاوزها ما بين مَنْوَر العمارة السكنية، وقضبان السطح الحديدية التي ترتفع مسافة لا تقل عن نصف متر عن منال ذراعي. كنا نخشى أيضـًا خطوات راضي، حارس العمارة الضخم، الذي لا بدَّ أنه يلتهم الأطفال كي يسد جوعه.

إلحاح وائل بصوتٍ هامس وعينيّ قطة تلمعان في الظلام، جعلني أحزم أمري، وأعتلي صناديق المشروبات الغازية التي تكدستْ على جانب الجدار، محاذرًا أن أصطدم بالزجاجات الفارغة، التي قد تُحدث صوتـًا يجهض مغامرتنا غير المحسوبة. وصلتُ إلى الكوة، ونفذتُ منها، ولم يعد أمامي سوى الوصول إلى تلك القضبان المفزعة التي تفضي إلى السطح. أصابتني رعدة، من مجرد تخيل معنى السقوط. كان الـمَنْوَر هاوية معتمة. أن تهوي من الطابق الخامس إلى قاع مَنْوَر لا يحتفظ إلا بقطع حديدية وبقايا أثاثٍ نبذه سكان الشقق، ليس بالنهاية المثالية لشابٍ مثلي في سن السابعة عشرة.

لوهلة، ترنحتُ وحيدًا في الفراغ الذي يبتلع كل شيء، حتى البشر.

في هذه العتمة، ليلٌ نسي نفسه.

أخذتُ نفسـًا عميقـًا، ومددتُ يدي الحُرة لأصل إلى القضبان اللعينة، قش خلاصنا؛ لم أفلح في المرة الأولى، ولولا أنني كنتُ أمسك بقوةٍ بطرف إطار النافذة لاختل توازني، و...

مد وائل لي يده كي أمسك بها، لكنني أفلحتُ في التعلق بأحد تلك القضبان في المحاولة الثانية، وجاهدتُ كي أرفع جسدي الخفيف لأتجاوز هذا الارتفاع. اصطدمتْ قدمي بالجدار الأملس للمَنْوَر، لتتساقط قشور الطلاء المتقادم إلى قاع الـمَنْوَر، محدثة صوتـًا خفيفـًا لن يأبه له أحد رغم سكينة المساء.

نصفي المرعوب يتشبث بالحافة، ونصفي الآخر يهرول للحاق به.

أقفز إلى داخل السطح، وأحاول أن أتأكد من عدم وجود آثار لصدأ القضبان الحديدية على ملابسي ذات الألوان الفاتحة، فيما كان وائل يشدني من ذراعي كي نشرع في الفصل التالي من تلك المغامرة الحمقاء. الحسابات الخاطئة والقرار الأرعن، كلمات لا محل لها من الإعراب في عبارات حياتنا القصيرة. الرعونة التي تسري في دمنا تجعل الخوف غير قادر على ردعنا عن استكمال هذا الطيش الذي نحسبه فتحـًا في عالم بلوغ مقام الرجولة. كان هذا أرفع شكل للجنون.

هذا المساء، يبدو العالم عاريـًا لا تسقفه حتى السماء.

نسير على أطراف أصابعنا حتى لا يشعر سكان الطابق الأخير بوقع خطواتنا. لم يكن الأمر سهلاً، فأرضية السطح وإن تكن مبلطة، تترامى فوقها بعض أكياس البلاستيك، والعلب الفارغة، والأسياخ الحديدية التي يقترب عمرها من عمر المبنى السكني نفسه.

في هذا المكان، يلعب الخوفُ الدور الأهم.

الصفحات