أنت هنا

قراءة كتاب أيامنا المنسية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أيامنا المنسية

أيامنا المنسية

رواية " أيامنا المنسية " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الرواية

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

لم أسمع بينهما حوارًا أطول من جملتين: هل جعت؟ فيجيبها بإيماءة من رأسه دون أن ينظر لها.. ويبتسم. المفارقة أنه بمجرد أن يتجمع آخرون في المكان، ينطلق في الحديث مثل قطار مندفع، دون أن يضع العلامات والفواصل والنقط في حكايته.

هناك ثقوبٌ سوداء في علاقتهما، لم يسمحا لأحدٍ مطلقـًا بأن يقترب منها. هل ارتضت أمي بأن تكون أمـًا فحسب، لا زوجة؟ هل هناك أي ارتباطٍ بين تلك العلاقة الزوجية الفاترة ومضاعفات الحمل والإنجاب التي حرمت أمي من أن تنجب طفلاً آخر، بناء على تحذيرات الأطباء؟ هل السبب هو خلافهما بعد أن عاندت أمي وحاولت تكرار تجربة الحمل، حتى وقع الإجهاض، ومات جنينها الذي رأت خيوط نـزيفه تشقّ طريقها خارجة منها بلا رحمة مثل شوق مسكوب؟

في تقديري أنهما معـًا يتحملان مسؤولية هذا الخرس الزوجي. لا بدَّ أن يغذي أي زوجين الكلام بينهما بموضوعات جديدة: فيلم جديد، مسرحية، أوبرا، برنامج، كتاب، نـزهة، دعوة للخروج. لا بدَّ أن نكتشف أشياء جديدة لنتحدث عنها.

يا إلهي.. ما هذه الدوامة من الأفكار السقيمة؟

أحاول التركيز في الدراسة، مع اقتراب موسم الامتحانات. أريد أن يكون نجاحي مستحقـًا، ولست بحاجة إلى الغش مثلما يفعل البعض. أعرف أن الغش أصبح مجالاً للتنافسية بين الطلاب، بحيث يميّز المتفنن فيه عن باقي زملائه، بل أصبح مجالاً لشعبيته بينهم؛ لأنه- حسب المصطلحات الشبابية- "فهلوي" أو "سَلَكَاوِي" أو "إسعاف"!

أستسلم بعد قليل، ويدفعني الضجر إلى الخروج.

أنتعل حذائي وأنسلّ من الباب بهدوء، ثم أنطلق مسرعـًا. لم أنتظر المصعد. أهبط درجات السلم من الطابق الخامس.

أتَسلّقُ الهواء درجة درجة.

أكاد في اندفاعي أصطدم بجارنا مُهاب، ساكن الطابق الثاني. كان متجهـًا ناحية المصعد، فيما يضرب في ظهره ضوء منبعثٌ من باب شقتهم المفتوح. أعتذر على عجل، دون أن أنظر في عينيه، فيما يرمقني الرجل البدين بنظرةٍ لا يُزايلها الشك.

أطرق باب صديقي علاء. أسمع زقزقة العصافير في الجرس، لكن لا أحد يرد. أزجي الوقت في الانتظار، متأملاً تلك النقوش الحديدية العتيقة في الجزء العلوي من الباب. لا أستبين بعض تفاصيلها، لكنها تسلب اللب بدقتها ومهارة صانعها.

ألمح شخصـًا ما يطل عليّ من العين السحرية ثم يبتعد. لا بأس؛ هو الكروموسوم العاقل وأنا المجنون. أحِبُّ عفويته.. اندفاعة البدايات وأخطاء الحماسة مع إخلاصه لذاته قبل كل شيء، لكنه فقد الكثير من هذا وأصبح يقيس كل خطوة بالمسطرة والقلم.

ما هكذا تُعاش الحياة.

الحياة، عند البعض، أقرب للعبة الطاولة، فيها من الحظ أكثر مما بها من تفكير.. وعند آخرين، أشبه بالشطرنج، يعتمد المرء فيها على العقل.. لكنها، عند فريق ثالث، مثل "السلم والثعبان" تمامـًا، ترتفع به؛ نحو القمة، في لحظة، لتهبط به إلى القاع في لحظة تالية.

أسير بلا هدى، اختار ذلك الشارع الجانبـي الضيق ذا الأرض الترابية المغبرة، وبمُقدّمةِ الحذاء أضربُ حصاةً على الطريق. أتساءل: أين هُم أصدقاء السوء؟.. ليتهم يعلمون كم أنا مُتاح في هذه اللحظة!

حين تحتاج الرفاق، فإنهم يتلاشون كترابٍ تسرقه الرياح خلسة.

الصفحات